حول مُصطَلح "التفاهُمات".. وجهة نظر

التفاهُمات ليست اِتفاقاً سياسياً، وإنما هي اِعتراف سياسي لأطراف الصراع والنزاع المُسلّح بِالوضع القائم، والذي يجب أن ينتهي، من خلال وضع حدّ لِهذا النزاع والصراع بِكافة أشكاله.

  • حول مُصطَلح "التفاهُمات".. وجهة نظر
    توقيع اتفاقية "أوسلو"

"التفاهُمات" مُصطلح لم يتمّ إدراجه في غالبيّة معاجم المُصطلحات السياسية، ولقد اِستخدمت القوى العالمية المُصطلح في أول ظهور له، بِما عُرِف بتفاهُمات حسين- مكماهون أبان الثورة العربية عام 1916م.

اِستخدمت بريطانيا كقوَّة عُظمى ذلِك المُصطلح والمفهوم لِلمُراوغة، في محاولة منها لِكسْبِ واِستغلال العرب، وكانت تِلك التفاهُمات عبارة عن مجموعة من الوعود التي قطعتها بريطانيا على نفسها لإعطائها لِلعرب، ذلِك إذا ما نجحت الثورة العربية، واِنتصرت بريطانيا على الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. تمثّلت الوعود البريطانية في حصول العرب على كيانٍ سياسي موحَّد ومستقلّ عن الدولة العثمانية آنذاك.

لقد اِتضّح في ما بعد أن تلِك "التفاهُمات" كانت وسيلة سياسية بريطانية لا أكثر، وليست هدفاً حقيقياً يَصُبّ في مصلحة العرب، وبعد الحرب تنصَّلت بريطانيا من الوعود التي قطعتها على نفسها لِلشريف حسين، وكانت سايكس-بيكو بمثابة اِتفاق دوليِّ ناتج من الحرب، يقوم على أساس نظرية "المصلحة والقوَّة" في العلاقات الدولية، وتمّ تقسيم المنطقة العربية بين القوى العالمية المُنتصِرة؛ لِتصبح كدول اِستعمارية، وبذلِك خرج العرب من المُعادلة السياسية التي فرضتها القوى العالمية.

التفاهُمات في السياسة اليوم، هي عبارة عن تقريبٍ لِوجهات النظر بين الأطراف المُتحارِبة أو أطراف النزاع والصراع، وغالباً ما تكون بين طرف دوليِّ أو أكثر أو بين أطراف دولية، وغير دولية كحركات التحرّر، والحركات المُسلّحة، والاِنفصالية التي تدعمها أطراف دولية. 

في مُعظم الحالات تستخدم القوى الدولية مُصطلح "التفاهُمات"؛ لِجسّ نبض الأطراف الدولية وغير الدولية المُشارِكة في النزاعات والصِراعات المُسلّحة، في محاولة لِمعرفة مدى الرغبة لدى تلك الأطراف في التوصّل إلى تسويةٍ سياسية، وفي محاولةٍ لِجرّ تلِك الأطراف المُتنازِعة إلى مربَّع التسوية السياسية، لِحين الوصول إلى اِتفاقٍ سياسي شاملٍ لِحلّ الصراع القائم.

ومن الخطأ أن نعتقد بأن مُصطلح "التفاهُمات" قد يشكّل محور اِتفاقية سياسية، أو الخلط بينه وبين الهدنة أو الاِتفاق، ويجب الفَهْم بأن ذلِك المُصطلح يُمكنه أن يقود إلى اِتفاقٍ سياسي، فهو مُصطلح مرتبط بِالدبلوماسية، أكثر من أن يندرج في إطار الاِتفاقية السياسية.

كمثالٍ يُمكن طرحه فإن العلاقات الدبلوماسية لِمنظمة التحرير الفلسطينية ما قبل أوسلو تُعبِّر عن مجموعة تفاهُمات، اِستطاعت تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين، والولايات المتحدة الأميركية عبر وسطاء دوليين، نجم عنها، اِتفاق ومعاهدة سياسية بين الفلسطينيين، والإسرائيليين برعايةٍ أميركيةٍ في العام 1993م.

الحال الفلسطينية اليوم هي الأقرب لِلدبلوماسية في حالات الحرب، والتي تُمثّل تفاهُمات هنا وهناك، عبر أطراف دولية لِوضع حدٍّ لِهذا الصراع الوجودي القائم مُنذ 100 عام تقريباً، وتحتاج تِلك الدبلوماسية مجهوداً سياسياً فلسطينياً عالي المستوى، في محاولات فلسطينية منفردة أو مجتمعة لِلحصول على أيّة مكاسب سياسية على الأرض، من وجهة نظري تحتاج تِلك الدبلوماسية الفلسطينية إلى جهودٍ موحَّدةٍ تشترك فيها كافة الأطراف الفلسطينية.

يُمكننا اِستكمال الحديث حول مُصطلح التفاهُمات في السياسة بالقول "غالباً ما تسبق الاِتفاقيات السياسية، مجموعة من التفاهُمات، تأتي في إطار الجهود الدبلوماسية المبذولة لِمجموعةٍ من الدول، تلِك الدبلوماسية المُستخدَمة في حالات السلم أو الحرب، إما أن تكون مباشرة بين أطراف الصراع أو عبْر دولة طرف ثالث تتولّى مهام الوسيط بين أطراف الصراع والنزاع المُسلّح، رغبة في وضع حدٍّ لِوقف كافة أشكال الأعمال العدائية بين الأطراف المٌتنازِعة".

وعليه فإن التفاهُمات السياسية يمكن أن ينتج منها اِتفاق سياسي في حال نجاحها، أو أزمة سياسية جديدة في حال فشلها، وليس بالضرورة أن تكون مُلزِمة لأطراف النزاع الدوليِّ، أو غير الدوليِّ، وغالباً ما تصُبّ تلِك التفاهُمات في مصلحة الطرف الأقوى سياسياً وعسكرياً، ويمكن أن يحاول الطرف الأضعف في الصراع المُسلَّح الحصول من خلال تلك التفاهُمات على أيّة مكاسب على الأرض، أو في محاولةٍ أُخرى منه للظهور بمظهر غيِر المُستسلم.