إردوغان فَقَدَ هيبته.. يعترف بـ"اتفاقية أضنة" وينكر من وقّعها

من الواضح أن إردوغان في ورطةٍ قد تنعكس على الوضع الداخلي لبلاده وعلى الرأي العام التركي الذي قد ينقلب على تدخّله العسكري إذا ما تواصل سقوط المزيد من القتلى في صفوف جنوده.

  • إردوغان فَقَدَ هيبته.. يعترف بـ"اتفاقية أضنة" وينكر من وقّعها
    أمهل إردوغان سوريا حتى نهاية شهر شباط/فبراير الحالي لسحب قوّاتها من محيط نقاط المراقبة التركية شمال غرب سوريا

تصعيد خطير في نبرة التهديدات أطلقها قادة الاحتلال الإسرائيلي والأميركي والتركي مؤخّراً تجاه سوريا وإيران، حيث هدَّد قادة الاحتلال بضرب الوجود الإيراني في سوريا وصعَّدوا من الاعتداءات بالصواريخ مؤخّراً. 

أما الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي أُهينَت قواته وعنجهيّته في سوريا فقد أمهل الحُكومة السوريّة حتى نِهاية شهر شباط/فبراير الحاليّ لسحب قوّاتها من مُحيط نُقاط المُراقبة التي أقامتها أنقرة في شِمال غرب سوريا، فجاء الرّد ميدانيّاً وسريعاً باستِمرار تقدّم قوّات الجيش العربيّ السوريّ في ريف إدلب الجنوبيّ الشرقيّ، وسيطرته على مدينة سراقب الاستراتيجية وما بعدها وفتحه للطريق الدولي حلب- دمشق والتوجّه إلى الحدود التركية باتجاه مدينة الباب.

يدعي إردوغان أن الجيش التركي موجود في سوريا بموجب اتفاقية أضنة، التي أبرمها الرئيس السوري الراحِل حافظ الأسد مع الحكومة التركية.

هذا يعني أنه يعترف بالاتفاقية فيما للمفارقة ما زال معانداً في الاعتراف بالحكومة السورية التي وقَّعتها ويطالبها بتنفيذ التزاماتها بمنع الوجود الكردي المُسلّح بالقرب من الحدود، بينما هو أي إردوغان يُجنِّد آلاف المُسلّحين من كافة أنحاء العالم لمُحارَبة الدولة السورية ويعمل على حمايتهم وعدم السماح بانهيارهم في الأماكن التي بقيت تحت سيطرتهم خاصة منطقة إدلب لمنع الحكومة السورية من بسط سيطرتها على كل أراضي سوريا وإنهاء الحرب المُدمِّرة التي انهكت البلد وتسبَّبت بتدمير البنية التحتية وإنهاك الشعب السوري وحوَّلت الغالبيّة منه إلى لاجئين ونازحين.

وتتضمَّن إتفاقية أضنة الموقَّعة في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1998، مسألة الكرد وحرب حزب العمال الكردستاني المُعلَنة في حينه ضد الحكومة التركية.

وهَدَفَ الجانبان من الاتفاقية، إلى تطبيع العلاقات بينهما بعد توتّر دفعت إليه العديد من المسائل الشائِكة منها الحدود والمياه والكرد والعلاقات الإقليمية والدولية.

ويتمحور نصّ الاتفاقية، على ضرورة التزام سوريا على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، بعدم السماح بأيّ نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا.

ولا تسمح سوريا بموجب الاتفاقية بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها، ولا تسمح لأعضاء حزب العمال الكردستاني باستخدام أراضيها للعبور إلى دولة ثالثة.

أما في ملاحِق الاتفاقية الأمنية، والتي كانت توصَف في وقتٍ سابقٍ بالسرّية، طلبت تركيا من الجانب السوري، ومن أجل تطبيع العلاقات، مُحاكمة مُجرمي حزب العمال الكردستاني وتسليمهم إلى تركيا، بمَن فيهم زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، على الرغم من أنه كان في حينه قد خرج من دمشق.

كما تُطالِب الاتفاقية سوريا، بألا تسمح لمُخيّمات تدريب مُسلَّحي حزب العمال الكردستاني، بالعمل على الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، وهنا المقصود منطقة البقاع اللبنانية حيث قيل إن مجموعات من "العمال الكردستاني" تتدرَّب هناك وقتها إبان الوجود السوري في لبنان.

وبينما أكَّدت تركيا أنه إذا لم توقِف سوريا هذه الأعمال فوراً فإنها تحتفظ بحقّها في الدفاع عن النفس، ذكرت في الملحق رقم 3 أن الخلافات الحدودية بين الطرفين تُعتَبر مُنتهية.

وأما الملحق رقم 4، وهو البند الذي يبدو أن إردوغان استند إليه في تصريحاته، فيُشير إلى أن إخفاق الجانب السوري في اتّخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يُعطي تركيا الحق في اتّخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازِمة داخل الأراضي السورية بعُمق 5 كم.

الرئيس التركي نسيَ أن إدلب وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها المُسلّحون والقوات التركية هي أرض سورية ومن حق الجيش السوري تحريرها وبسط سيطرة الحكومة على كل أراضيها وإنهاء الحرب المُدمِّرة وإعادة الاستقرارإلى البلاد. 

إردوغان يستجدي الناتو للتدخّل فيما تعمل عصابة ترامب ونتانياهو على توريطه أكثر في المستنقع السوري، فهل نشهد قريباً تحالفاً علنياً وتنسيقاً عملياتاً بين تركيا وأميركا والاحتلال الإسرائيلي بعد أن كان التنسيق بينهما يجري عبر غُرَف العمليات المشتركة التي جرفها الجيش السوري خلال العامين الماضيين بفعل الانتصارات التي حقَّقها بمُساعدة الحلفاء؟

من الواضح أن إردوغان في ورطةٍ قد تنعكس على الوضع الداخلي لبلاده وعلى الرأي العام التركي والمُعارَضة التي قد تنقلب على تدخّله العسكري إذا ما تواصل سقوط المزيد من القتلى في صفوف جنوده.

ويحاول من خلال إرسال التعزيزات العسكرية الكبيرة التمسّك حتى الرَمَق الأخير بكل شبرٍ يقع تحت سيطرة تركيا أو المُسلّحين الذين يرعاهم، من أجل حمايتهم أولاً لأنه يستخدمهم في داخل سوريا وخارجها (كما في ليبيا مثلاً)، ويستخدمهم كأدواتٍ في مُقارَعة خصومه وأعدائه والإبقاء على منطقة إدلب ورقة ضغط قوية وشوكة في خاصِرة الدولة السورية يُحقّق من خلالها مكاسب في مفاوضات الصيغة المستقبلية للنظام في سوريا، كما بإمكانه من خلال السيطرة المباشرة عليها الادّعاء بأنه يحمي المدنيين ويمنع عملية نزوح كبيرة للاجئين باتجاه الحدود التركية أو إلى عُمقها ومنها إلى أوروبا.