صفقة بمواصفات أميركيّة إسرائيليّة وتواطؤ عربيّ

شهد البيت الأبيض حدثاً عبثياً لا يمكن تحييده إطلاقاً عن مشهدية إطلاق وعد بلفور. وفي توقيت هذا الحدث، يبدو أنَّ ترامب ونتنياهو استغلّا المسار القانوني المتربّص بهما، وأعلنا عن صفقةٍ تُبعد الأنظار عن تجاوزاتهما وفسادهما الداخلي.

  • صفقة بمواصفات أميركيّة إسرائيليّة وتواطؤ عربيّ
    صفقةٌ بمواصفات أميركيّة إسرائيليّة وتواطؤٌ عربيّ

لقد جاء الإجتماع العبثي الذي سوّقت له الإدارة الأميركية لمدة 3 سنوات خلال انشغال المنطقة بحروبها الإرهابية المدمرة عسكريّاً واقتصاديّاً، ليكون الخبر الأهم لدى الصحافة العربية والعالمية هو "صفقة القرن"، في محاولةٍ لإيصال فكرة هذه الصفقة وسط حالةٍ من الانشغال الدائم بما ستتمخَّض عنه قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي جاء مع استبعاد الجانب الفلسطينيّ عن القمّة، ويُعتبر الأساس في قبول هذه الترتيبات الأميركيّة والإسرائيلية أو رفضها.

إنها قمّةٌ أميركيّةٌ إسرائيليّةٌ صرفةٌ، على الرغم من حضور الإمارات وعُمان والبحرين، فوجود هذه البلدان شكليٌّ لالتقاط صورٍ تذكاريّةٍ يحتفظ بها الرئيس ترامب في نهايات ممارساته السياسية الفجّة، وليستعيد من خلالها ذكرياته، فلا يبتعد فيها عن الصّورة التي التُقطت للملك السعوديّ عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن البارجة الحربية الأميركية "كوينسكي"، وما رافقها من اتفاقياتٍ تخصّ الشرق الأوسط، وما تبعها من اتفاقياتٍ متعددة الأوجه والمضمون، كانت جُلّها تهدف إلى شرذمة المنطقة وتقسيمها، خدمةً للصهيو-أميركية.

قبل فكرة إعلان القمة، وكالعادة، تمَّ استبعاد فكرة حلّ الدولتين وفق مقررات الأمم المتحدة للعام 1967، لإبعاد فكرة ترسيم الحدود بالنسبة إلى دولة فلسطين، فلا حدود للدّولة، لأنها تدخل ضمن المناطق الإسرائيلية الكاملة التي رُسِمت حدودها منذ وعد بلفور المشؤوم.

ما نُشر من بنود الصّفقة الأميركيّة الإسرائيليّة ركَّز على بقاء المستوطنات الإسرائيليّة كبُنى أساسيّةٍ وليست استيطانية، وخصوصاً في الضفة الغربية، التي تُعتبر أراضٍ فلسطينيةٍ وفق مؤتمر أوسلو، وستكون حُكماً ضمن الأراضي الإسرائيلية، فيجري ضمّها تلقائياً، ومن دون قراراتٍ خارجيةٍ أو دوليةٍ، في انتهاكٍ لكلّ الأعراف والقوانين الدولية، وتحقيقاً لحلم اليمين الإسرائيليّ المتطرف المتمثل بنتنياهو، مع ضمّ غور الأردن والسيطرة عليه سياسيّاً وعسكريّاً، منتزعين سيادة الأردن وفق قمّةٍ ثنائية.

تعمّد الرئيس ترامب عند طرح بنود "صفقة القرن" إيصال فكرة أهمية الخطّة بالنسبة إلى مستقبل الشعب الفلسطينيّ في تحقيق دولته الحديثة الآمنة المدعومة بمبلغ 50 مليار دولار، في إشارةٍ إلى تحسين حياته المعيشية، ليبتعد عن رفض الصّفقة المدمّرة.

ثمّة إجماعٌ فلسطينيٌّ على رفض بنود الصفقة رفضاً قاطعاً. وقد تجلَّت مظاهر الرفض في كثيرٍ من الانتقادات الّتي وجّهتها القيادات الفلسطينية للخطّة المزعومة، حتى باتت هناك بوادرٌ لكسر الجليد بين الفصائل الفلسطينية، عبر اتصال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية بالرئيس الفلسطيني محمود عباس.

لقد بُنيَ قبول الجانب الفلسطينيّ بقرارات الأمم المتحدة على إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ، حدودها الأراضي التي احتُلت في العام 1967، مع التأكيد أنّ القدس عاصمةٌ لفلسطين، وحلّ مشكلة اللاجئين، وحقّ العودة المسلوب.

لعب الرئيس الأميركي وشريكه الإسرائيلي على تشديد الخناق على الفلسطينيين، حتى تظهر انقساماتٌ بين الفلسطينيين أنفسهم بين رافضٍ لبنود الصفقة وراغبٍ في تحقيق العيش، ولو على حساب وطنٍ بأجمعه، فالنكبة الفلسطينية دمَّرت شعباً بأكمله، وهذا ما أكّده وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خلال اجتماعٍ مغلقٍ مع قادة المنظمات اليهودية الأميركية في حزيران/ يونيو 2019، حين قال: "ثمّة أجزاءٌ من الخطة الأميركية غير قابلةٍ للتطبيق. إسرائيل سترحّب بالخطة فقط". 

في هذا التصريح إشارةٌ واضحةٌ إلى أنّ الجانبين الأميركي والإسرائيلي يُدركان أنَّ الموافقة على الصفقة مستحيلة. وبذلك يتمّ استغلال الوضع القائم لضمّ مستوطنات الاحتلال في الضفة الغربية، لتكون تحت السلطة الإسرائيلية، ويسقط بذلك الحكم الذاتي الفلسطينيّ عن الضفة الغربية. 

والأهم أنَّ الصفقة جاءت في توقيت الانتخابات التشريعية الفلسطينية، مُستغلةً الإشكاليات القائمة بين الفصائل الفلسطينية.

لقد تعمَّدت الإدارة الأميركية إغراق بعض حكومات الخليج العربي في تنفيذ بنود الخطة الأميركية، ليكونوا ممولين للاستثمارات التي ستتمّ على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فتضمن بذلك تحميلها تبعيّة الارتهان للصندوق الدولي، الذي تعمّدت الولايات المتحدة إنشاءه لتمويل هذه الاستثمارات، فتزيد العبء على كاهل الاقتصاد العربي الخليجي، مع تراجع عائدات النفط نتيجة السياسيات الاقتصاديّة المُدمّرة التي تتّبعها واشنطن في معاملاتها مع الشرق الأوسط وبعض الدول الآسيويّة والأوروبيّة، إضافةً إلى الخسائر الناتجة من الحروب على مرافق النفط.

أوراق الصّفقة التي تجاوزت الـ 180 طبع بنودها مهندسو الصفقة الأميركية الصهيونية، من خلال صهر الرئيس الأميركي ومستشاره السياسي جاريد كوشنر، والرئيس السابق لمنظَّمة ترامب وسفيره في "إسرائيل" دافيد فريدمان، والمحامي الشخصي السابق لترامب جايسون غرينبلات.

هي صفقةٌ إجراميَّةٌ تُضاف إلى جرائم الإدارة الأميركية والاحتلال الصهيوني، ولكنَّها أخذت في عهد الرئيس ترامب شكل القرارات السياسية الهوجاء الرعناء، نتيجة ارتباط الخونة العرب من الحكام بها، وتمهيد الطريق لإعلانها عبر تقديم واجبات الطاعة للغرب الصّهيوني.