خيارات السعودية تضيق في اليمن

ينتقل التحالف السعودي في حربه على اليمن، إلى مرحلة عسكرية مبنيةٍ على اتفاق سياسي وقّع في الرياض بين القوى اليمنية الموالية له، ومع عدم توفّر عوامل نجاح الاتفاق حتى الآن، تبقى حكومة صنعاء على جاهزيتها للتعامل مع أي تصعيد عسكري بالطريقة التي تجعل الرياض تواجه نتائجه المكلفة.

  • خيارات السعودية تضيق في اليمن
    ينتقل التحالف السعودي في حربه على اليمن، إلى مرحلة عسكرية مبنيةٍ على اتفاق سياسي وقّع في الرياض بين القوى اليمنية الموالية له

تقترب الحرب على اليمن من دخول عامها السادس، مصحوبة بمحاولات التحالف السعودي لملمة آثار تصدّع جبهته الداخلية، والاستعداد لجولة تصعيدٍ جديدة. وفيما تظهر إشارات عديدة لإمكانية التصعيد العسكري، تبدو الرياض مقبلة على أزمات عديدة في حال ذهابها بهذا الاتجاه، في ظل استعداد حكومة صنعاء للتصدي، والرد بما يتناسب ويؤلم، بالإضافة إلى تعذّر ذلك مع عدم توفّر الأرضية العسكرية والسياسية لذلك داخل "البيت الواحد".

التحالف يصعّد في نهم

منذ كانون الأول/ ديسمبر عام 2015، لم تتوقف مساعي وجهود التحالف السعودي للزحف باتجاه العاصمة اليمنية صنعاء، وذلك بعد وصول قواته إلى مديرية نِهْم شمال شرق العاصمة المحاذية لمحافظة مأرب الغنية بالنفط، حيث أسست قوى التحالف العديد من المعسكرات في الجبهة هناك واستقدمت إليها مئات الآليات العسكرية وآلاف الجنود من محافظة مأرب.

وخلال 4 أعوام مضت، لم تتمكن قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي، من إحراز تقدم ملحوظ يمكن أن يؤثر على سير المعارك أو يغير المعادلة العسكرية لصالحها في الزحف نحو العاصمة التي تفصلها عنها أكثر من 50 كلم، رغم مئات العمليات الهجومية المكثفة والمسنودة بغطاء جوي خلال تلك الفترة.

صعّدت قوات التحالف من هجماتها في الأيام الماضية، باتجاه مواقع الجيش اليمني واللجان في الناحية الغربية لمنطقة زتر في مديرية نِهْم نفسها، بعدما شهدت الجبهة خلال الأسابيع المصرمة هدوءاً حذراً.

استمرت محاولات الزحف 12 ساعة متواصلة مصحوبة بغطاء جوي مكثف. المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، أعلن، الجمعة، صدّ الهجوم الذي وصفه بـ"الواسع"، وأكد أنه "استمر من الفجر حتى المغرب بمساندة من الطيران الحربي، معتبراً أنه "تصعيد واضح وخطير" من قبل قوى التحالف.

وبينما كشف أنه أسفر عن مقتل وجرح العشرات في صفوف القوات المهاجمة، شدّد سريع على أن قوات التحالف لم تحقق أي تقدم يُذكر.

التصعيد الأخير للتحالف السعودي في مديرية نِهْم والذي استمر بوتيرة أقل خلال الأيام المنصرمة، يوحي بقرار سعودي للسير نحو تصعيد عسكري، فقوات هادي لا تستطيع إطلاق أي عملية عسكرية أو هجوم بهذا الحجم وباتجاه صنعاء تحديداً، من دون التنسيق مع قيادة التحالف.

إعادة انتشار في البيضاء والساحل الغربي

بالتوازي مع المحاولات العسكرية المكثفة انطلاقاً من مديرة نِهْم باتجاه العاصمة صنعاء، بدأت قوات التحالف عملية إعادة انتشار لبعض الألوية الموالية للرئيس هادي، وبموجب ذلك تمركزت "قوات اللواء الثالث حماية رئاسية" بقيادة العميد لؤي الزامكي، في معسكر العمري بمديرية ذُباب في محافظة تعز المطلة على الساحل الغربي، في حين انتقلت "قوات اللواء 39 مدرع" بقيادة العميد عبد الله الصبيحي، من مدينة شقرة الساحلية في أبين، إلى المنطقة الحدودية بين محافظتي أبين ومحافظة البيضاء.

في الشكل تتحرك قوات الرئيس هادي تطبيقاً لـ"اتفاق الرياض"، لكن عملية توجه الألوية التابعة للرئيس هادي من مناطق الاشتباك مع قوات "المجلس الانتقالي" باتجاه خطوط التماس مع قوات صنعاء تطرح العديد من التساؤلات حول المهمة المستقبلية الموكلة إليهم.

فبالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي لمديرية ذُباب التي يتبع لها باب المندب (تعرف أيضاً بمديرية باب المندب)، تقع محافظة البيضاء في وسط اليمن وتربط محافظة صنعاء بمحافظات لحج وأبين والضالع الجنوبية. وجميع مديريات العاصمة المحاذية للمحافظات الجنوبية الثلاث، تقع بالكامل تحت سيطرة قوات حكومة صنعاء، فيما تسيطر قوات الرئيس هادي و"تنظيم القاعدة" على أجزاء واسعة من مديريتي ناطع ونعمان شرقي محافظة البيضاء المحاذيتان لمحافظة شبوة النفطية الساحلية على البحر العربي، بالإضافة إلى سيطرتها على أجزاء واسعة من مديرية ردمان المحاذية لمحافظة مأرب.

وتشارك محافظة البيضاء حدودها مع 8 محافظات يمنية مهمة، هي شبوة وأبين ولحج والضالع من محافظات الجنوب، وإب وذمار ومأرب وصنعاء من محافظات الشمال.

وفيما تسيطر قوات التحالف على 3 مديريات من 20 مديرية تتشكل منها محافظة البيضاء، فإن بقية المديريات تسيطر عليها حكومة صنعاء، كما ينتشر تنظيما "القاعدة" و"داعش" في عدد من مناطق المحافظة، وتحديداً في بعض مناطق مديريات الزاهِر والقريشة وذي ناعم.

الترتيبات الجديدة تشي بتورطٍ إماراتي مباشر، في أي تصعيدٍ مقبل ومحتمل مع قوات حكومة صنعاء، فانتقال القوات الموالية لهادي من أبين باتجاه محافظة البيضاء ومديرية باب المندب، لا يمكن أن يتم من دون تطمينات إماراتية بأن القوات الموالية لها لن تتحرك في تلك الجبهة ضد قوات هادي، لا سيما وأن أبين على وجه الخصوص تشكّل أهمية قصوى لهادي على الصعيدين السياسي والأمني، وقد شهدت معارك ضارية خلال الفترة الماضي بين قواته وقوات "الانتقالي"، حيث صعّد الطرفان في محاولة للسيطرة عليها من دون أن يحسم أي طرفٍ المعركة لصالحه، إذ استقرت الأمور بسيطرة "الانتقالي" على مدينة زنجبار مركز المحافظة، في حين تمركزت قوات الرئيس هادي في مدينة شقرة.

بناءً على ما تقدم، فإن انتقال ملف جنوب اليمن إلى السعودية، بعد أن كان بيد الإمارات أخذ سياقه العسكري، على ضوء عملية الانتشار الجديدة للقوات اليمنية الموالية للتحالف والتي أدارتها الرياض.

وبينما كانت الأنظار متجهة بعد "اتفاق الرياض"، إلى المسار السياسي لحل الأزمة اليمنية بشكل عام، بما في ذلك بدء مفاوضات مع حكومة صنعاء، تشي التطورات الأخيرة إن من جهة عودة محاولات الزحف باتجاه العاصمة صنعاء أو الحشد عسكرياً على مقربة منها، أن السعودية قررت لعب ورقةٍ عسكرية أخرى، لا تبدو في إطارها العام رابحة مع عدم تغيّر أي من المعطيات العسكرية السابقة التي فشلت قوى "التحالف" في تجاوزها، ولعلّ معركة نهم الأخيرة التي تكبدت فيها قوى "التحالف" خسائر فادحة توضح شيئاً من هذا القبيل.

التصعيد مكلف!

لكن الأمر لا يتوقف على ذلك، إذ أن النتائج المترتبة على أي تصعيدٍ محتمل سيكون لها انعكاسات مدويّة على قوى التحالف من الناحيتين السياسية والعسكرية.

السعودية تنتقل إلى مرحلة عسكرية جديدة في الوقت الذي لم يُنفذ من "اتفاق الرياض" الذي أوقف القتال بين حكومة هادي وقوات "الانتقالي" أي بندٍ في ما يخص المرحلة الانتقالية المتفق عليها، باستثناء انسحاب القوات الموالية للإمارات من بعض المراكز الأمنية وعودة وزراء حكومة هادي إلى عدن، وتنفيذ عملية إعادة انتشار لبعض الألوية، مع تعذّر تشكيل حكومة في الشكل الذي اتفق عليه رغم مرور المهلة المحددة، واستمرار الاشتباكات المتقطعة بين الطرفين في مختلف محافظات الجنوب، مصحوبة بموجة اغتيالات طالت مؤخراً قيادات مقربة من حكومة هادي في عدن، واتهامات متبادلة من الطرفين بـ"التعاون مع أنصار الله".

لذا، فإن الجبهة الداخلية للقوى اليمنية الموالية للتحالف، لا تزال اهتماماتها منصبّة على الحسم في ما بينها بعد تيقّنها أن الحسم مع قوات حكومة صنعاء بات من المستحيلات استناداً إلى التجارب السابقة.

وجاء استهداف معسكر "الاستقبال" التدريبي ومعسكر "النصر"، القريبين من جبال الفرضة التابعة لمديرية نهم، مساء الأحد، ليخلط الأوراق من جديد ويفتح العديد من الاحتمالات بغض النظر عن الجهة المنفذة.

فعلى الرغم من اتهام حكومة هادي، لحركة "أنصار الله" بالهجوم، إلا أن أوساطاً إعلامية وسياسية مقربة من حكومة هادي لم تستبعد تورط "الانتقالي"، لا سيما وأن الكتيبة المستهدفة في مأرب يقودها مهران القباطي، الذي سبق وأن خاض معارك عنيفة ضد قوات "الانتقالي" في مدينة عدن. يضاف إلى ذلك، أن القتلى والجرحى ينتمون لكتائب "ألوية الحماية الرئاسية" التي كان يجري إعدادها للانتشار في المدينة.

التوازن بين المعطيات المذكورة وإمكانية تورط "الانتقالي" يرتبط بالخلل البنيوي الذي لا يزال يصيب العملية السياسية التي تسعى إليها السعودية في اليمن، والجنوب تحديداً، وفيما لم يصدر أي بيان من قبل حكومة صنعاء يتبنى عملية الاستهداف، فإن هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً باعتبار أن مثل تلك العمليات لا تتوانى صنعاء عن تبنيها في حال كانت هي الجهة المنفذة كما حصل في استهداف معسكر الضالع سابقاً، ومعسكرات أخرى لقوى التحالف.

وبغض النظر عن الجهة المنفذة فإن الاحتمالين يضعان الرياض في موقفٍ مربك. فإذا كانت حكومة صنعاء هي من استهدف المعسكر تكون هذه الضربة "التأديبية" رسالة بالنار رداً على التحركات التي حصلت في نهم، والتصعيد الذي تسعى إليه السعودية على مختلف الجبهات. وهي رسالة تحمل في مضامينها إشارات عن مدى استعداد حكومة صنعاء للرد على أي تصعيد والخيارات المطروحة لذلك، من بينها استهداف العمق السعودي، مع رفع صنعاء لسقف الرد في هذا الاتجاه إلى مستويات عالية لن تكون أقل من استهداف منشآت حيوية داخل المملكة وعلى رأسها المنشآت النفطية.

وإذا كان "الانتقالي" من استهدف المعسكر في مأرب، فهذا يوضح صعوبة توحيد القوى الموالية للتحالف ضمن مسارٍ سياسي وعسكري منسجم، ويعرقل الخطط السعودية لذلك، ويفتح المجال على سيناريوهات عديدة، ليس أولها عودة المواجهات بين قوات هادي من جهة والقوات المدعومة إماراتياً من جهةٍ أخرى، والمزيد من الاستنزاف لقوى التحالف، وليس آخرها حدوث تشقق في العلاقة بين الرياض وأبو ظبي، باعتبار أن قراراً بهذا الحجم (استهداف المعسكر في مأرب) لا يُتخذ من دون علم القيادة الإماراتية الداعمة لقوات "الانتقالي" به، وهو ما يعتبر انقلاباً إماراتياً على التواجد السعودي المستجد في جنوب اليمن، من بوابة إفشال "اتفاق الرياض".