العقيدة واحتمالات الرد الاستراتيجي

تُعتَبر العقيدة من مقوِّمات الحضور الجيوسياسي الفاعِل للدول، وإحدى مُنطلقاته نحو التأثير المباشر على مُجريات الأزمات في العلاقات الدولية، بل الأكثر تأثيراً في عملية تقييم قوَّة الدول وقُدرة جيوشها في المواجهات العسكرية.

  • العقيدة واحتمالات الرد الاستراتيجي
    تُعتَبر العقيدة العامل الأكثر تأثيراً في عملية تقييم قوَّة الدول وقُدرة جيوشها في المواجهات العسكرية

تُبذَل جهود كبيرة وجبَّارة من قِبَل دول العالم في استنباط عقيدة ما أو تطويرها، بهدف حثّ وجَذْب الجيل الشاب على الإنخراط في المؤسَّسات العسكرية، وغالباً ما تُقرَن بالعديد من المُحفِّزات والمُغرَيات التي لا تلبث أن تفقد تأثيرها بعد سنواتٍ قلائل، وغالباً ما تُعاني الدول الأوروبية من هذه المشكلة.

بالنسبة إلى قضية استشهاد القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، عِلمياً: هل يحتاج الحرس الثوري والجيش الإيراني إلى مُحفِّز أكبر من استشهاد أحد ألمع قادته في مواجهة وضرب الجيش الأميركي؟ بكل تأكيد لا، يكفي القيمة المعنوية الكبيرة للشهيد القائد.

لكن طرأ على المجتمع الإيراني مُحفِّز له بُعد تاريخيٍ وحضاري! لقد هدَّد الرئيس الأميركي بضرب أهداف "ذات قيمة ثقافية عالية في الوجدان الإيراني".

 إذا كان هناك من بعض الاختلاف في وجهات النظر حول كيفيّة الرد وحجمه بين التيّارات السياسية الإيرانية بين المُحافظين والإصلاحيين، بين العِلمانيين والمُتديّنين، بين الإثنيات المُختلفة، بين الأديان والمذاهب، بين الشباب المُنفَعِل والعُقلاء، بين ذوي الاهتمام المحلي وذوي الاهتمام الدولي والاستراتيجي، إذا كان هناك من تبايُنٍ بين هؤلاء جميعاً في حجم الرد وكيفيّته، هذا التبايُن اندثر بعد هذا التهديد من الرئيس الأميركي!

لماذا، لأنه يُهدِّد الحضارة الإيرانية برمَّتها القائِمة منذ سبعة آلاف عام، إنه يُهدِّد عزَّة النفس الإيرانية، يُهدِّد الأنفة الإيرانية التي امتاز بها هذا الشعب منذ قيام الحضارة.

لكن الرد سيكون استراتيجياً حسبما ورد على ألسنة أغلب المسؤولين الإيرانيين. وهنا نقف قليلاً عند كلمة "استراتيجياً" بالمدلول العِلمي: ينبغي ونفترض ألا يكون الرد مألوفاً أو مُنتظَراً أو مُتوقَّعاً من العامة، لا في وقته ولا زمانه ولا حجمه، وربما يبدأ الرد الاستراتيجي  المعنوي أولاً، اعتباراً من اليوم أو الغد؟ على سبيل المِثال لا الحَصْر: هل سوف تفتح إيران باب التسجيل في فرقة العمليات الاستشهادية (براً، بحراً، جواً)؟

لِمَ لا؟ فالرد الاستراتيجي من المُفترَض أن يسبق العدو بخطوتين، أي يجعله عاجِزاً عن تنفيذ الخطوة التالية المُقابلة. فما الذي يمنع بأن يكون في الرد على عملية الاغتيال بعض العمليات الاستشهادية، فهي من المؤكَّد أنها سوف تُعطي الانطباع الدقيق لدى الغرب عن حجم وما هو المُمكن الذي يُمكن أن تذهب إليه الأمور لاحقاً.

هذا يُعيدنا إلى بداية المقال بالنسبة إلى العقيدة، لقد أجَّج تهديد الرئيس الأميركي روح الثأر والمواجهة في نفوس كافة أطياف المجتمع الإيراني.

لأنه غير جدير بالمنصب الذي يتبوأه، وهنا نُنبِّه حلفاءه الغربيين والعرب بحكمةٍ للإمام علي (ع):

"إيَّاك ومُصادَقة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك. وإيَّاك ومُصادَقة الكذَّاب، فإنه كالسراب، يقرِّب عليك البعيد ويُبعِد عليك القريب. وإيَّاك ومُصادَقة الفاجِر، فإنه يبيعك بالتافِه".

والرئيس الأميركي الحالي جامِعٌ لمساوئ هذه العيوب.

الولايات المتحدة تغتال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وتأكيدات من إيران والعراق ومحور المقاومة بأن الرد حتمي.