حماقة أميركية ستُغيِّر معالم المنطقة
يمكن لواشنطن وتل أبيب توقّع ردٍ يعيد قواعد الاشتباك التي سقطت إلى نصابها، مع تعديلات إيرانية موجعة حيال تثبيت معادلات إقليمية جديدة.
من البديهي أن اغتيال قائد قوَّة القدس الفريق قاسم سليماني، ليس بالحَدَث الطبيعي، فمن المُسلَّمات أن اغتياله يعدّ تغييراً كبيراً في قواعد اللعبة الإقليمية، إذ من الصعوبة بمكان، تخيّل أن إيران لن تثأر لاستشهاد مُهَنْدِس الاستراتيجية الإيرانية الشرق أوسطية، الأمر الذي يشي بتكرار ثُنائية الرد والرد المُضاد، والتي قد ترقى إلى اتساع مروحة التوتّرات والتحديات الإقليمية.
ففي توقيتٍ أمني يُعدّ الأكثر حساسية في منطقة الشرق الأوسط، أقدمت الإدارة الأميركية على حماقة اغتيال القائد قاسم سليماني والقائد أبو مهدي المهندس. هي لحظة هَنْدَسها ترامب لخوض غِمار الانتخابات الأميركية، والزجّ بورقة التهديدات الأمنية التي أسقطها من التداول في الداخل الأميركي، لا سيما أن الأصوات المُطالِبة برحيله قد أخذت منحى تصاعُدياً، خاصة وأن غالبية الأميركيين يرون ترامب غير جدير بزعامة البيت الأبيض.
دونالد ترامب الذي أمر بعملية الاغتيال، مبرِّراً ذلك لجهة اتخاذ إجراءات دفاعية لحماية الأفراد الأميركيين في الخارج، وجد نفسه عُقب ذلك في دوّامة التناقُضات الحزبية الحادَّة. فالانقسام الذي تبدَّى بين الساسة الأميركيين تجاه قرار ترامب باغتيال سليماني، تفاقمه القراءات الأكيدة التي ذهبت باتجاه رد إيراني مؤكَّد ثأراً لاستشهاد سليماني، بَيْدَ أن التكهّنات بزمن ومكان الثأر قد لا يُمكن تأطيرها ضمن جغرافية محدَّدة، خاصة وأن مساحة الصراع بين أميركا ومحور المقاومة على خارطة الشرق الأوسط، تزداد بشكلٍ مضطرد.
هذا الأمر ترجمه تصريح المستشار السابق للرئيس الأميركي باراك أوباما بن رودس حيث وصف اغتيال الجنرال سليماني باللحظة المخيفة، مُضيفاً إن إيران ستردّ ومن المُحتَمل في أماكن مختلفة، ومُتسائِلاً ما هي الاستراتيجية اليوم؟ لا يوجد تفسير لما يجري الآن.
الحقيقة الواضحة التي يتعامل معها الأميركيون، ألا خيار أمام إيران إلا الرد عسكرياً، وذلك عبر استهداف المصالح الأميركية، وربما سياسياً من بوابة الاتفاق النووي، كما أن جوهر السؤال الذي بات حاضِراً في هواجِس الأميركيين، لم يعد يتمحور حول خطيئة ترامب القاتِلة، بل البحث عن سُبُل تُجنّبهم رد الحرس الثوري الإيراني، والتي لن تقتصر على خارطة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وربما تتعداها إلى ما هو أوسع، وهذا ما يُفسِّره رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ريتشارد هاس بقوله "الحرب ستجري على طول مساحة الإقليم تُستخدَم فيها مروَحة واسعة من الأدوات وتطال عدداً كبيراً من الأهداف"، مُضيفاً إن "المنطقة برمّتها وربما العالم أجمع سيكون مسرحاً للحرب".
في جانب آخر، فإن الورقة الاستراتيجية التي ظنّ ترامب أنه أسقطها بحماقته، لن تمر مرور الكرام، فلحظة التحوّلات السياسية والعسكرية في المنطقة قد بدأت، ما يعني استراتيجياً أن وجه المنطقة سيتغيَّر من خلال إعادة ترتيب الملفّات في الشرق الأوسط، وتحديداً في الخليج. حيث أن هذه المنطقة لم تعد تحتمل التواجد الأميركي، خاصة وأن الوقائع المؤسِّسة لجملة المُتغيّرات الإقليمية التي نسجها محور المقاومة، ستبدأ بهَنْدَسة زمن جديد للمنطقة، ولن تنتهي إلا بتأطير التوجّهات الأميركية في الشرق الأوسط، وصولاً إلى تهيئة أسباب إخراج الولايات المتحدة من سوريا والعراق.
في المقابل، تحاول الإدارة الأميركية تثبيت قواها السياسية والعسكرية في المنطقة، لكن هُيّىء لترامب أنه بجريمته سيتمكَّن من إخضاع أركان محور المقاومة ككل، بَيْدَ أن هذه الحماقة التي أعطاها الضوء الأخضر للشروع بها، ستقصم ظهر واشنطن وقواها الإقليمية، فالرد القاسي قادِم لا محال، لكن هندسة الظروف الأمنية والعسكرية ستكون بتوقيت محور المقاومة، ولن يتمكَّن ترامب من جرّ منظومة المقاومة إلى تسونامي حماقاته.
استشهاد سليماني والمهندس سيكون نقطة فارِقة ليس في صوغ مُعادلات جديدة على مستوى المنطقة فحسب، بل ستكون لهذا الحدث تداعيات سياسية وأمنية ستصيب مقتلاً في جسد التحالفات الأميركية الشرق أوسطية.
وبنظرةٍ أوسع، يمكن لواشنطن وتل أبيب توقّع ردٍ يعيد قواعد الاشتباك التي سقطت إلى نصابها، مع تعديلات إيرانية موجِعة حيال تثبيت معادلات إقليمية جديدة.
ولعلّ ما قاله السفير الإيراني في الأمم المتحدة "مجيد تخت روانجي" في مقابلة مع CNN، يُجسِّد المسار الحقيقي للتطوّرات القادمة، على مستوى الصراع الإيراني الأميركي، وهندسة أبجديات ردع جديدة، حيث قال "استهداف واشنطن لسليماني يُعادِل شن حرب على إيران والرد عليه سيكون عسكرياً".