لماذا يعتبرُ اللبنانيون فيلتمان "سفير الفتنة في لبنان"؟
السفير الأميركي السابق في لبنان والذي اعتاد اللبنانيون على تسميته ببوق الفتنة، يعود للظهور مجدداً على الساحة اللبنانية للعب دوره السابق، فيما بادله اللبنانيون برفضٍ عارمٍ لدخوله الوقح على خط تظاهراتهم.
رفض بعض اللبنانيين كلام المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية والسفير الأسبق في لبنان لدى الولايات المتحدة الأميركية، جيفري فيلتمان؛ الرجل الذي رأى أن "صواريخ حزب الله لا تدافع عن لبنان بل تضعه في خطر الحرب"، ألمح إلى أن قدرة بلاده على حشد الدعم الاقتصادي للبنان، "تعتمد على القرارات التي ستُتخذ بشأن تشكيل الحكومة المُقبلة". هذا الكلام يعني بوضوح أن الدعم الأميركي للبنان مرتبط بشكل الحكومة المزمع تشكيلها في الفترة المقبلة، وأن "الرضا" الأميركي عن هذه الحكومة مرتبط بمدى قبول الأسماء التي سوف تطرح بالنسبة للطرف الأميركي.
التصريحات الأميركية الموقّعة باسم فيلتمان، والتي جاءت خلال جلسة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، تترجم نوايا الولايات المتحدة والأجندة التي تريد تنفيذها في لبنان، على الرغم من أن التوصيات الأميركية جاءت بعد إنكار السفارة الأميركية في بيروت مؤخراً أنها قدّمت أيّ دعم للمتظاهرين في هذا البلد. السفير الأميركي قال بوضوح إن الإصلاحات والمحاسبة والإعتماد على مؤسسات الدولة بدلاً من حزب الله ستجذب نوعاً من الدعم الذي يقود إلى وجهة أفضل، إشارة واضحة إلى أن عدم سحب سلاح حزب الله سيقود لبنان إلى "الفقر الدائم" و "التخّلي" عنه سيؤدي إلى الإزدهار "المحتمل".
فيلتمان قدّم رؤية واضحة حول سلاح الحزب الذي "يجب أن ينزع على المدى الطويل"، وقال "للبعض الذي قد يسأل في واشنطن ما إذا كان على الجيش اللبناني أن يستعد لمواجهة حزب الله حركياً ولنزع سلاح حزب الله بالقوة. هذا الأمر قد يسبب حرباً أهلية، وكما ذُكر أعلاه، إيران ووكلاؤها كما القاعدة يميلون الى الإزدهار في الحروب الأهلية. لذلك يجب علينا التفكير أكثر على المدى الطويل".
يحاول السفير الأميركي القول إن بلاده لا تريد حرباً أهلية في لبنان ليس حباً ببلاد الأرز، إنما ببساطة لأنها ترى أن أيّ سيناريو من هذا النوع سوف تستفيد منه المقاومة، وبالتالي ليس من صالحها التحفيز عليه. عوضاً عن ذلك، تريد واشنطن نزع سلاح المقاومة، ولو بعد حين، على قاعدة المثل الذي يقول: "الماء يفتت الصخر ليس بقوته، ولكن بتواصله، لا تتوقف"!
فيلتمان الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في لبنان لمدة 4 سنوات، من العام 2004 حتى العام 2008، نشر بعد بدء الحراك الشعبي في لبنان مؤخراً دراسة قال فيها إن "الاحتجاجات في لبنان بيّنت أنّ ما كان غير وارد في السابق قد يصبح الآن ممكناً". ما هو الشيء الذي كان "غير وارد سابقاً" وغير قابل للتحقيق لدى فيلتمان وحكومته، وأصبح "ممكناً" اليوم؟ يذكر اللبنانيون جيداً العهد الذي كان فيه فيلتمان سفيراً لبلاده في لبنان، ويعرفون الاحتجاجات التي عمّت في تلك الفترة مطالبة بإسقاط حكومة وصفها أمين عام حزب الله في 19 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2006 بأنها "حكومة السفير الأميركي فيلتمان".
السفير الأميركي قال في تصريحاته إن "أهمية الاحتجاجات الحالية في لبنان تفوق ما جرى في 14 آذار 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري، لأن الشيعة انضموا إليها هذه المرة". يعوّل فيلتمان على انقسام الشارع الشيعي-الشيعي اتجاه المقاومة وسلاحها في لبنان، وهذا ما لم يحصل، الشارع الذي انتفض لأكثر من شهر، قال أغلب مرتادوه أنهم في الساحة لمحاربة الفساد، وسيعودون إلى الجبهات لمحاربة "إسرائيل" إن حاولت الأخيرة الاعتداء على لبنان.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات تتعلق بالشأن اللبناني حصراً وتعالج مطالب داخلية، يشير فيلتمان إلى أن "التظاهرات وردود الفعل عليها من جانب القادة والمؤسسات اللبنانية تتقاطع مع المصالح الأميركية"، المصالح التي تتعارض مع مصالح روسيا في المنطقة.
فروسيا تنظر، بحسب فيلتمان، إلى لبنان كمكان لمواصلة توسعها العدواني الإقليمي والمتوسطي، "وإذا استغلت روسيا موانئ لبنان الثلاثة ومخزونات الهيدروكربون البحرية (النفط والغاز)، سيعطي هذا انطباعاً بأن روسيا تفوز في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، على حساب الولايات المتحدة"، السفير الأميركي واضحٌ جداً فيما يريد، أن يبقى لبنان الذي وصفه بـ "مساحة للتنافس الاستراتيجي العالمي"، مساحة أميركية صالحة لتنفيذ مصالح الولايات المتحدة، التي تتمثل أولاً بحماية أمن "إسرائيل".
الدراسة التي أعدّها فيلتمان ونشرها معهد "بروكنز" الأميركي تناولت الإحتجاجات في لبنان، وجّه فيها فيلتمان نقداً للبيت الأبيض الذي قام بتعليق مساعدات أمنية بقيمة 105 ملايين دولار، واعتبر أن توقيت القرار غير مناسب ويقدّم رسالة موحِّدة موجّهة إلى اللبنانيين حول عدم موثوقية الولايات المتحدة كشريك.
وعي بعض الشباب اللبناني في هذه المرحلة مهم جداً ويُبنى عليه، فاللبنانيون يعرفون جيداً نوايا الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه بلاد المتوسط عموماً، وسمعوا قول ترامب بوضوح مؤخراً إنه باقٍ في سوريا لـ "حماية النفط السوري"، ويتذكرون ماذا حصل في العراق وكيف استماتت الحكومات الأميركية للحصول على الثروات النفطية العراقية. السيناريو لا يختلف كثيراً في لبنان، فالسفير الأميركي السابق قال بشكل لا لبس فيه إن لبنان بات مساحة للتنافس الاستراتيجي العالمي، ويجب على واشنطن "ألاّ تسمح لإيران أو سوريا أو الصين أو روسيا باستغلال غياب بلاده عن لبنان"، ملمّحاً إلى أن استغلال روسيا للبنان "سيخلق إحساساً لدى الأخيرة بأنها تفوز في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط على حساب واشنطن"، وهذا لا يناسب أميركا!.
الصادقون المخلصون كما وصفهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه في الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، رفضوا كلام فيلتمان وتدخلّه السافر في الشؤون الداخلية اللبنانية، ووجهت مجموعات من المتظاهرين دعوة إلى التظاهر الأحد المقبل أمام السفارة الأميركية في منطقة عوكر بجبل لبنان. تأتي الدعوة رفضاً للتدخلات الخارجية في لبنان، وأبرزها التدخل الأميركي الذي عبّر عنه فيلتمان، ورفضاً للدور الأميركي الفاعل في تعميق الأزمة الاقتصادية اللبنانية.
هاشتاغ #فيلتمان و #فيلتمان_سفير_الفتنه احتلا مواقع التواصل في لبنان وأصبحا "ترند" في البلاد بعد كلام فيلتمان مباشرة، التغريدات وجّهت رسالة واضحة إلى فيلتمان مفادها أن لا يتدخل بالشأن اللبناني، مع تكرار الدعاء في أغلب التغريدات "الحمدلله الذي جعل أعداءنا من الحمقى".