"صيحة الفجر".. نقلة نوعية في المواجهة مع "إسرائيل"
ما شهدته غزَّة من مقاومة وإطلاق لمئات الصواريخ على المستوطنات الصهيونية هو تثبيت لقواعد اشتباك جديدة غيَّرت من معادلات كثيرة، توقّع فيها الاحتلال أنه قادر على الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي التي أثبتت أنها رقم صعب في معادلة الصراع.
في فضاءات اللغة قد تستطيع صوغ جمل وتحشو ما تشاء من ديباجات الإنشاء في وصف مشهد الواقع الرسمي العربي. ولا تُخطئ في دقّة الهدف حين تذهب إلى أنها أنظمة علت مدافعها عناكب صافرة التوثّب لتطلق نيرانها عليك فأنت الدريئة والهدف في آن.
هي صورة ثلاثية الأبعاد غير مبالغة في قراءة ما آلت إليه بعض الأنظمة من انحدار في أودية سحيقة حين رفعت صوتها لتُعلِن أن المقاومة "إرهاب" وهذه لم تعد اكتشافاً جديداً، بل إمعاناً في سياسات تريد أن تجسّد حال انهزام عَلني.
طيلة عقود وغزَّة تحت النار ومقاومتها وشعبها لم يستسلما في مواجهة كل الحروب التي شهدتها، فهي الشاهِد على كرامة أمّة لن ترفع رايات بيضاء.
لم نعد نسمع أو نقرأ أن "جامعة الدول العربية" قد أدانت الحرب المفتوحة على غزَّة، فالأمر لا يعني تلك الأنظمة وتُجاهِر بلقاءاتها وتنسيقها مع قادة كيان الاحتلال. وما يُعلنه الاحتلال أن التنسيق مع بعض النظام الرسمي العربي في أعلى مراحله يؤكّد على أن القادِم هو الأخطر في مُلاحقة المقاومة وتجفيف مصادرها وحصارها كي ترفع راية الاستسلام.
غزَّة اليوم تقول ما قالته في صمود مقاومتها وأبنائها أن حرب الاستهدافات والاغتيالات لن تفض حاضنة المقاومة. وقرار حركة الجهاد الإسلامي هو قرار أبناء فلسطين الذين خرجوا في تشييع الشهيد القائد الكبير في "سرايا القدس" بهاء أبو العطا.
ورسائل الاحتلال في استهداف منزل المسؤول العسكري للحركة في دمشق أكرم العجوري واستشهاد نجله معاذ العجوري ومرافقه عبد الله حسين لن تُرهِب الحركة التي لم تساوم على ذرّة تراب من فلسطين كما تقول أدبياتها السياسية وممارستها على الأرض.
وما شهدته غزَّة من مقاومة وإطلاق لمئات الصواريخ على المستوطنات الصهيونية هو تثبيت لقواعد اشتباك جديدة غيَّرت من معادلات كثيرة، توقّع فيها الاحتلال أنه قادر على الاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي التي أثبتت أنها رقم صعب في معادلة الصراع. فحسابات الحركة المنتمية لشعبها لم تكن وفق توقّعات العدو الصهيوني. وما شهدناه في ثلاثة أيام منذ استشهاد قائد "سرايا القدس" في المنطقة الشمالية من غزَّة بهاء أبو العطا ومحاولة اغتيال القائد أكرم العجوري المسؤول العسكري للحركة، يؤكّدان على أن حركة الجهاد الإسلامي تملك رؤيا ممنهجة في مقاومة الاحتلال وبنك أهداف شلّ الحركة داخل فلسطين المحتلة، وجعل المستوطنين يستجدون وقف إطلاق النار.
وما أكّده الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في حواره مع قناة الميادين أ.زياد النخالة أن وليّ الدم هو الشعب الفلسطيني وليس حركة الجهاد الإسلامي كما يحاول البعض ترويجه هو جوهر المعادلة أن الشعب يحتضن المقاومة.
الحركة تدافع عن شعبها ولا تنتظر مَن يُملي عليها فعله. وهي التي لم تُهادِن على الحق الفلسطيني، واعتبرت اتفاق أوسلو كارثة فلسطينية. ولا تنتظر شهادة حُسن سلوك من بعض الأنظمة. وقرارها في المواجهة وإن كانت وحيدة لا يعني ذلك أنها تذهب إلى التهوّر، بل في قراءات عميقة تدرك أن ما تفرضه المعركة اليوم لا يحتاج إلى الانتظار والحسابات الضيّقة للبعض. وهذه المرة ليست كسابقاتها في تمادي كيان الاحتلال في محاولة تصفية قادة الحركة. وهنا لا يمكن انتظار مَن يشارك في المعركة أو يُدقّق في مجرياتها ووفقاً للحسابات يُقرّر. فحال الانتظار والقبول بما يفرضه الاحتلال تعني أن الحركة قد ذهبت إلى حسابات تخرجها عن إطار فَهْمِها للصراع الطويل.
لم تعلن حركة الجهاد طيلة العقود الماضية أنها رضخت لشروط الاحتلال. فقط كانت تدفع إلى الوحدة الوطنية والتنسيق في إطار العمل المشترك السياسي والعسكري. لكن هذه المرة قالت كلمتها إنها تستطيع أن تفرض شروطها بوقف الاغتيالات وحصارغزَّة واستهداف مسيرات العودة ولو كانت وحيدة في الميدان. ولن تفرِّط بدم شهداء فلسطين الذين ارتقوا في معركة صيحة الفجر.
من الواضح أن ما قاله الأستاذ زياد النخاله الأمين العام للحركة في حواره مع قناة الميادين، أن حركته لن تقبل بأيّ خرق للبنود هو قوّة الموقف والنصر في هذه الجولة، وفي حال تمّ الخرق ستدكّ الصواريخ المستوطنات. وهذه تؤكّد على أنها جعلت رئيس وزراء العدو يستجدي وقف النار وهو الغارِق في أزماته ولن يستطيع أن يذهب بعيداً في عدوانه. فهو الآن أصبح يُدرِك أن حركة الجهاد التي تُقيّمها مراكز الدراسات الصهيونية أنها الأخطر، هي فعلاً الأخطر على مستقبله السياسي وكيانه الاحتلالي. وهذا ما أشارت إليه الصحف الصهيونية والقنوات التلفزيونية حيث قال المُعلّق العسكري ألون بن ديفيد إن حركة الجهاد أصبحت مُقرّراً اليوم للشروط.
مع أن الاحتلال رضخ لشروط حركة الجهاد الإسلامي في مناخات البعثرة السياسية التي تخيّم على الوضع الداخلي الصهيوني، إلا أن صحف الاحتلال تشير في افتتاحيّاتها حول معركة "صيحة الفجر" إلى أن الحركة ستكون دائماً في حال تأهّب تضع المستوطنين في قلقٍ دائم.
ما سجّلته حركة الجهاد الإسلامي في مواجهة الإرهاب الصهيوني في أيام معركة "صيحة الفجر" يمكن أن يُقرأ في التحرّك السريع لمصر التي شعرت من رشقة الصواريخ الأولى أن المشهد سيتطوّر فأوفدت مسؤولين أمنيين إلى تل أبيب، وتباحثوا مع مسؤولين صهاينة، ولم تكن الحركة تنتظر وقفاً لإطلاق النار لأنها تمتلك القدرة على الاستمرارية في حرب طويلة، وتستخلص في دقّة القراءة أن الاحتلال يحاول أن يثبت قواعد جديدة في حربه على الشعب والمقاومة، ورسائل الاستهداف للمسؤول العسكري للحركة في دمشق القائد أكرم العجوري من أوضحها.
ما قاله أ.زياد النخالة لقناة الميادين يؤسّس عليه في المعارك القادمة وهو الواثق من إرادة المقاتلين وصمودهم، والقاعدة الشعبية العريضة للحركة وعلاقتها مع محور مقاوِم بنيت على استراتيجية المقاومة التي لا تُهادِن على الثوابت.
المقاومة اليوم في أعلى الجهوزية، وحركة الجهاد تمتلك من الكفاءات القتالية ما يمكّنها أن توجِع المحتل الذي يحاول أن يُبرّرهزيمته في هذه الجولة، وأنه يمتلك إمكانية مواصلة عدوانه، لكن يصدر في تصريحات مسؤوليه أنه على حركة الجهاد أن تلتزم بقواعد التهدئة، ما بدّده الأمين العام أ.زياد النخاله أن الجهاد الإسلامي ستواصل مقاومتها للاحتلال وهي تدافع عن شعبها، وستبقى أمينة على دماء الشهداء.
رسائل كيان الاحتلال عناوينها أن رأس المقاومة هو المطلوب، ولم تهدأ الطائرات الصهيونية في الهِدَن السابقة وغيرها. وهذا ما ترصده الحركة، وقد نكون أمام جولات أشدّ سخونة في المرحلة القادمة بعد تشكيل الحكومة الصهيونية.
معركة "صيحة الفجر" كانت قاسية وموجِعة للاحتلال الصهيوني وباعتراف مسؤوليه الأمنيين، وقرأ فيها أن رسائله المزدوجه لغزَّة ودمشق لن تمر، ولن تكون عناوين سهلة في ما تحاول المؤسّسة العسكرية البناء عليه. وهي التي نوقِشت في المؤسّسة الأمنية لمُلاحقة المقاومة ورموزها.
ما أكّده مركز الأبحاث القومي الصهيوني أن الحرب يجب أن تشمل رموز المقاومة ومحورها، مُبيّناً أي المركز في دراسة صدرت مؤخّراً أن "رديكالية" حركة الجهاد ستؤثّر على أداء الجيش الصهيوني، لذا يجب أن يبصم الجهاز الأمني بقوّة لردع هذه القوّة. لكن حركة الجهاد الإسلامي وقّعت بإسم "سرايا القدس" ومقاتليها وشهدائها أن القادم سيكون فيه الكثير من التغيّرات التي ستجعل الاحتلال يُفكّر كثيراً قبل الإقدام على خطوات يعتبرها استراتيجية في معركته الأمنية.
معركة "صيحة الفجر" نقلة نوعية في المواجهة، والقادم من أيام المقاومة لن يكون كسابقاتها.