لماذا تحقدون على الحشد الشعبي؟

الحشد لم يجتمع من تلقاء نفسه، ولا اجتمع من خلال طلب الحكَّام الذين تزعمون أنهم جاؤوا على ظهر الدبابة الأميركية، وإنما تجمّع من خلال فتوى فقيه، تقرّ الأمّة جميعاً بفقهه وعِلمه وتقواه، وبذلك، فإنه قبل أن يوجّه اللوم إلى الحشد الشعبي يوجّه اللوم إلى الفُقهاء، أو تقام المُناظرات وأنواع الحِجَج مع الفُقهاء، لا مع الحشد.

من العجائب التي تتحيّر فيها العقول، تلك الأحكام الجائِرة التي شُنّت، ولا تزال تُشنّ، على الحشد الشعبي العراقي الذي قام يدافع عن أرضه في وجه أشرس وأحقر خلق الله، وأكثرهم ظُلماً وإرهاباً، في الوقت الذي تلمّع فيه صورة أولئك الإرهابيين من شذَّاذ الآفاق الذين تركوا بلادهم، وراحوا ينشرون الخراب في سوريا والعراق، وغيرهما من بلاد الإسلام.

ولو كانت تلك الهجمات والأحقاد المُنبعثة منها صادرة عن أميركا الشيطان الأكبر، أو من إسرائيل الغدّة السرطانية، لكان ذلك شيئاً عادياً، لكن أن يصدر من مسلمين مُتديّنين، فذلك شيء عجيب.

ولذلك سنُجيب هؤلاء، لعلّهم يستعملون بعض ما وَهَبهم الله من عقل، أو لعلّهم يرجعون إلى مصادرهم الفقهية التي رموها وراء ظهورهم، ويتخلّصوا من تلك الكبرياء التي يتعاملون بها مع ذلك الحشد المُقدَّس الذي استطاع أن يُطيح كل المؤامرات التي استهدفت ضرب العراق، لتجعله بعد ذلك قاعدة لضرب كل المنطقة، وذلك من خلال الوجوه السبعة التالية:

أولاً: إن هذا الحشد لم يجتمع من تلقاء نفسه، ولا اجتمع من خلال طلب الحكَّام الذين تزعمون أنهم جاؤوا على ظهر الدبابة الأميركية، وإنما تجمّع من خلال فتوى فقيه، تقرّ الأمّة جميعاً بفقهه وعِلمه وتقواه، ومَن لم يُقر بذلك يمكنه أن يذهب إلى كتبه الكثيرة، أو يبحث في سيرته المُمتلئة بالتقوى والوَرَع. ومَن لم يكفه ذلك يمكنه أن يسأل كل فُقهاء العراق، ومراجعهم، ومن كل الطوائف، وهل وافقوا على تلك الفتوى أم لا؟.

وبذلك، فإنه قبل أن يوجّه اللوم إلى الحشد الشعبي يوجّه اللوم إلى الفُقهاء، أو تقام المُناظرات وأنواع الحِجَج مع الفُقهاء، لا مع الحشد، لأن أيّ جندي في الحشد عندما يُسأل، سيقول: أنا لا عِلم لي بالفُقه، ولكن بما أن فتوى المرجعية ألزمتني بذلك، واعتبرتني آثِماُ إن قصرّت فيه، فقد قمت لأداء واجبي، ولو طلبت مني أن أعود إلى بيتي لعدت.

ثانياً: إن الأدلّة الشرعية جميعاً، والوارِدة في مصادر إسلامية عدة، بل في القرآن الكريم نفسه تدعو إلى النفير العام في حال دخول العدو، وتتوعَّد بالعِقاب العظيم على كل مَن قصَّر في ذلك، أو رَكَن إلى الدنيا؛ فالله تعالى يقول: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا } [النساء: 75]

هذه الآية الكريمة تنطبق تماماً على ما حصل في الكثير من المدن العراقية من تسلّط المُستكبرين الظالمين على المُستضعَفين الآمنين العُزَّل، وقد رأى العالم أجمع كيف أُهين أولئك المُستضعَفون، وقُتِلوا، وشُرِّدوا، وصودِرَت أموالهم، وبيعَت نساؤهم، وبذلك، فإن الآية الكريمة تحمِّل كل مؤمِن مسؤولية حماية المُستضعَفين والدفاع عنهم.

ولذلك، فإن الفتاوى المُرتبطة بوجوب تشكيل الحشد الشعبي ليست خاصة بالسيّد السيستاني، أو غيره من المراجِع، وإنما نجد أمثالها في جميع مصادر الفقه الإسلامي.

ومن العجيب أن هؤلاء الذين ينكرون على المرجعية الفقهية العراقية فتواها، ويعتبرونها طائفية هم أنفسهم يعظِّمون مشايخهم الذين أفتوا بجواز الاستعانة بأميركا وغيرها لمُحارَبة صدّام حسين عند غزوه الكويت، وهذا ما يجعلنا نحتار. فهل النفير واجب على الأميركان، وحرام على العراقيين؟ وهل كل الفقهاء الذين أفتوا بوجوب النفير من السنّة والشيعة مخطئون في تلك الفتاوى؟

ثالثاً: لو فرضنا أن أمثال تلك الفتاوى لم تصدر، ولم يفت السيّد السيستاني، ولا غيره من الفُقهاء؛ فإن العقل المُجرَّد، والفطرة الصافية، وحدهما يدعوان إلى تشكيل ذلك الحشد، فتشكيله من المعقولية والفطرية والبداهة بحيث لا يحتاج إلى فتوى فقيه.

فكيف يقعد مَن يسكن بلداً عاش من خيراته، وهو يرى قوماً من المُستكبرين العتاة الظالمين يهاجمون المُستضعَفين، ويتسلّطون على أموالهم وأرواحهم، ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا إلى الأعراض يهتكونها، ويبيعون الحرائِر المصونات جوارٍ وإماء، أمام نظر العالم أجمع.. فهل يمكن لصاحب نخوة ومروءة أن يفعل ذلك؟ وهل تبقى له بعد ذلك أية نخوة أو مروءة؟

وأحسب أن هذا الحشد لو لم يُشكَّل، ولم تصدر فتوى المرجعية، وبقي الإرهابيون مُتسلّطين على العراق، لراح أولئك المُغرِضون الحاقِدون على الحشد الشعبي، يسخرون من العراق وأهله، ويرمونهم بالجُبن والخور.

بل إني سمعت هذا الحديث في بعض القنوات المُغرِضة، وفي بداية الأزمة، وعند دخول الإرهابيين إلى الموصل، وبعد استنجاد بعض السياسيين بأميركا والحلفاء، حينها راح يضحك ويقول: انظروا إلى جُبن هؤلاء، هم يستنجدون بأعدائهم، لأن فقههم المُتخلّف يُحرِّم عليهم الجهاد.

رابعاً: إن العاقل الذي يرى ما فعله الإرهابيون في المدن العراقية على اختلاف انتماءاتها، لا يحتاج إلى البحث عن الذين شكّلوه، وهل هم سنُة أم شيعة، وهل هم مسلمون أم نصارى؟ لأن هذا واجب شرعي، وتقصير بعض الجهات فيه، لا يعفي غيرها.

خامساً: إن أكبر ما يدلّ على مصداقية هذا  الحشد، هو تلك التضحيات العظيمة التي قدَّمها، وفي سبيل الحق المُجرَّد الخالِص الخالي من أية شُبهة، فهو لم يذهب ليستعمِر أرضاً، أو ليغزو قوماً، وإنما ذهب ليُخلِّص المُستضعَفين من نَيْرِ المُستكبرين.

سادساً: إن هذا الحشد لم يحمل السلاح على بلده، ولا على مؤسَّساته، ولم يُحارِب جيشه مثلما يفعل الجيش الحر والنصرة وغيرهما في سوريا، والذين لقوا التأييد الكبير من الذين يتّهمون الحشد الشعبي.

بل إن التنسيق كان جارياً بين الحشد الشعبي والجيش، بل إن كل مؤسَّسات  الدولة كانت موافِقة ومُقدِّرة لجهوده، وإن بَدَرَ منها التقصير في إعطائه حقوقه، وبذلك فإن اعتباره مليشيات ـ كما يُسمّيه المُغرِضون ـ جريمة في حقّه، وضرب للشرعية التي أعطاها له الشعب، كما أعطتها له الدولة، كما أعطاها له قبلهم الفُقهاء جميعاً.

سابعاً: إن أكبر مَن واجه هذا الحشد أميركا وذيولها في المنطقة، ولذلك فإن الذي يتَّهمه أو يُدَّنسه أو يُحارِبه أو يُشوِّه سمعته ليس سوى عميلاً من عملاء أميركا شَعَرَ أو لم يَشعُر.

وقد شاهد الناس جميعاً الطائرات الأميركية وهي تصبّ نيرانها على الحشد الشعبي في نفس الوقت الذي تحمي فيه الدواعش، وتزوّدهم بأنواع الأسلحة.

ولذلك فإن كل تلك التشويهات التي حصلت للحشد الشعبي من القنوات المُغرِضة، ليست سوى فبركات إعلامية قصدت تشويهه لتبقى أميركا وحدها في المنطقة، وتستعمل الدواعش ورقة ضغط، لا على العراق وحده، وإنما على جميع دول المنطقة؛ فلم يكن يخدمهم أحد كما يخدمهم أولئك الدواعش.