الوصاية الأردنيّة على الأقصى بعد ربع قرن من وادي عربة
اليوم، وبعد ربع قرن من توقيع الاتفاقية، تبدو الوصاية الأردنية في قلب الاستهداف الإسرائيلي عبر سلسلة من الاعتداءات التي تمتدّ من أبواب المسجد إلى مبانيه، ومن بواباته إلى ساحاته.
قبل 25 عاماً، وقَّع الأردن وكيان الاحتلال اتفاقية السلام المعروفة باتفاقية وادي عربة، التي نصَّت في المادة التاسعة منها، تحت عنوان الأماكن ذات الأهمّية التاريخيّة والدينية، على ما يأتي:
- سيمنح كلّ طرف للطرف الآخر حرية الدخول إلى الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية.
- وبهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم "إسرائيل" الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلاميّة المُقدَّسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي "إسرائيل" أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.
- سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاثة بهدف العمل باتجاه تفاهمٍ ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة والتسامُح والسلام.
ويمكن القول إنّ اللغة التي صيغت بها المادة التاسعة، لا سيّما في النقطة الثانية منها، تعطي الانطباع بأنّ دولة الاحتلال هي صاحبة القرار بالنسبة إلى المُقدَّسات، ومن ضمنها الأقصى، حيث أنّ "إسرائيل"، وفق صوغ هذه المادة، ستأخد بعين الاعتبار الدور التاريخي للأردن في هذه الأماكن. وهذا ما أشار إليه الكاتب الإسرائيلي نداف شرغاي بالقول إنّه "بموجب اتفاقيّة السلام أعطت "إسرائيلُ" الأردن، من بين الدول العربية الأخرى، سلطة على جبل المعبد".
اليوم، وبعد ربع قرن من توقيع الاتفاقية، تبدو الوصاية الأردنية في قلب الاستهداف الإسرائيلي عبر سلسلة من الاعتداءات التي تمتدّ من أبواب المسجد إلى مبانيه، ومن بواباته إلى ساحاته، ومن حرّاسه إلى كبار موظّفي الأوقاف، ومن مشاريع إعمار الأقصى إلى ترميم واحدة من رخاماته. فسلطات الاحتلال باتت تتحكَّم بدخول المسلمين إلى الأقصى، وتصدر عشرات القرارات بإبعاد مَقدسيين وفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 وتمنعهم من الدخول إلى المسجد والصلاة فيه. علاوة على ذلك، تعمد إلى إغلاق المسجد ومنع الصلاة فيه، ومن ذلك إغلاقها المسجد من 14 إلى 17 تموز/يوليو 2017 بعد عملية الجبارين في الأقصى.
ومن المظاهر الأخرى التدخّل في عمل الأوقاف ومنع الموظّفين من أداء أعمالهم. وفي هذا السياق، تعمد سلطات الاحتلال إلى منع الأوقاف من أعمال الترميم في المسجد وصولاً إلى اعتقال ثلاثة من موظّفي الأوقاف في حزيران/يونيو 2019 لترميمهم بلاطة عند مدخل باب القطانين، أحد الأبواب الرئيسة للأقصى. كذلك، تمنع قوات الاحتلال حرّاس الأقصى من الاقتراب من مجموعات المستوطنين في أثناء اقتحامهم الأقصى للحؤول دون مراقبتهم سلوك الجماعات المُقتحِمة، وتوثيق ممارساتهم، التي شملت في موسم الأعياد العبرية هذا العام تكرار الحالات التي أدّى فيها المستوطنون الصلوات التلمودية، عَلناً وبشكلٍ جماعي، من دون أن يتمكَّن حرّاس المسجد من منعهم.
ومن ضمن الاعتداءات على الوصاية الأردنية الاعتقالات التي تنفّذها قوات الاحتلال ضدّ موظّفي الأوقاف، لا سيّما مَن يتصدّون منهم لاعتداءات المستوطنين في أثناء اقتحامهم الأقصى، والتحقيق معهم في مراكز التحقيق الإسرائيلية، وإصدار قرارات بإبعادهم عن المسجد، مكان عملهم. ولا يُستثنى من الاعتقالات كبار موظّفي الأوقاف ومن ذلك اعتقال رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمُقدَّسات الإسلامية في القدس، فضيلة الشيخ عبد العظيم سلهب، ونائب مدير عام دائرة الأوقاف ناجح بكيرات، في شباط/فبراير 2019 وذلك عقب فتح باب الرحمة والصلاة فيه في ما عُرِف بهبّة باب الرحمة.
وبالحديث عن هذه الهبّة التي فتح المقدسيون فيها باب الرحمة الذي أغلقه الاحتلال عام 2003، فإنّ الاحتلال مستمر في محاولات فرض تعريفه على المبنى ونفي صفة المُصلّى عنه في مقابل تصريح الأوقاف الأردنية أنه كذلك.
وتأتي هذه الاعتداءات مدعومة بمحاولات تشريعها، ومن هذه المحاولات مشروع قانون تقدَّم به عضو "الكنيست" موشيه فايغلين، في شباط/فبراير 2014، لمناقشة إنهاء الوصاية الأردنية على الأقصى ووضع المسجد تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة، لكنّ المشروع لم يمرّ.
وبموازاة ذلك، فإنّ نشطاء "المعبد" هم من أشدّ المطالبين صراحة بإنهاء الوصاية الأردنية على الأقصى، وبرز ذلك بعد إعلان الأردن العام الماضي اتّجاهه إلى إنهاء العمل بملحق الغمر والباقورة العام الماضي، حيث دعا نشطاء "المعبد" إلى إعادة النظر في مسألة "تأجير الأقصى للأردن"، فطالب أرنون سيجال بـ "إلغاء إيجار جبل المعبد للأردنيين من مبدأ المعاملة بالمثل" فيما ذهب عضو "الكنيست" الحاخام يهودا غليك، إلى مُطالبة رئيس الحكومة "بالعمل وفق مصالحنا، وأن يخبر ملك الأردن أنه في حال تصرّف الأردنيون بشكلٍ فردي وفقاً لمصالحهم، سنتصرّف نحن بالطريقة ذاتها، وسنردّ رجال الوقف، الذين تسمح لهم إسرائيل بكرمها بالتجوّل في جبل المعبد، إلى الأردن، ونفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة في المكان المُقدَّس لنا".