عقوبات أميركية جديدة بانتظار أوروبا.. ترامب غاضب

الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يكتفِ بانسحاباته المُتتالية من الاتفاقيات الدولية، ولا حتى بفرضه للعقوبات والضرائب على مَن يعتبرهم أعداءه، يستفيض باستفزاز بلدان الاتحاد الأوروبي، بفرضه رسوماً جمركية جديدة، سعياً منه إلى إفشال أية محاولة أوروبية مع الصين وروسيا أو غيرهما من البلدان، والتي قد تخلق للأوروبيين مساراً جديداً.

أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وزير خارجيته مايك بومبيو بجولةٍ أوروبيةٍ من 1 إلى 6 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، لحَصْدِ التهويل المُكثّف في ما يتعلّق بالرسوم الجمركية الجديدة. شملت زيارة بومبيو إيطاليا (الأكثر تضرّراً بعد فرنسا) حيث التقى فيها الثلاثاء الماضي، الرئيس الإيطالي، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبى كونتي بحضور وزير الخارجية والتعاون الدولي لويجي دي مايو.

المواضيع شملت العلاقات بين روما وبكين، على خلفيّة انضمام إيطاليا إلى مبادرة الحِزام والطريق الصينية والمخاوف الأميركية المُتعلّقة بتقنية الجيل الخامس للاتصالات من شركة هواوي.

أما الموضوع الليبي، فإيطاليا تسعى إلى نَيْلِ دعم الولايات المتحدة لدعم الجهود الأوروبية خاصةً الإيطالية والفرنسية والألمانية (الدول الأكثر تضرّراً من الرسوم الأميركية المتوقَّعة) في أفق المؤتمر الدولي في برلين الذي سيُقام في هذا الشهر، والذي من المُزمَع أن يجمع كل الأطراف الفاعِلة في الأزمة الليبية على طاولة حوار واحدة.

فبعد مؤتمري باريس وباليرمو الفاشلين واللذين كرَّسا التناقُضات بين إيطاليا وباريس حول الريادة في الملف الليبي، يبدو البلدان هذه المرة مُتناغِمين، لعلّه لتقاطُع المصالح بينهما في ملف الهجرة غير النظامية، التي تعدَّت ال 2000 محاولة وصول جديدة فقط خلال شهر أيلول/سبتمبر، ولإعادة فتح المُنشآت النفطية في ليبيا، التي توقَّف عمل بعضها مؤخّراً لأسبابٍ أمنية.

هنا يبقى لبومبيو استخدام الرسوم الجمركية كوسيلة ضغطٍ إضافيةٍ على مَن يجده مُخالِفاً. لينتقل بومبيو بعدها إلى الفاتيكان، ومن ثم مونتينيغرو "الجبل الأسود"، وشمال مقدونيا، واليونان.

الجانب الأوروبي والتمهيد لجولة بومبيو

الجديد في ما يتعلَّق بالنهج الترامبي الموحَّد باتجاه أعدائه وحلفائه على حدٍ سواء، وبعد تهديد ترامب لجميع بلدان تحالف الناتو ودفعها لزيادة نفقاتها، واضِعاً أمامها شرطاً أساسياً لنَيْلِ العفو الأميركي من الرسوم الجمركية المُرتَقبة، وهو زيادة الإنفاق إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولةٍ من أجل التحالف.
لم ير الرئيس الأميركي تجاوباً أوروبياً بهذا الخصوص، ليقوم بعدها بتحريك قضية عُمرها 15 عاماً بين الطرفين بحثاً عن إمكانية فرض ضرائب جديدة. هذه القضية الخلافية التي تولَّدت حينها على إثر نزاع يتعلَّق بتقديم دعم حكومي غير مشروع إلى شركتيّ إيرباص الأوروبية وبوينغ الأميركية لصناعة الطائرات.

الشكوى قُدَّمت بدايةً إلى المنظمة العالمية للتجارة من قِبَل الأميركيين لنَيْلِ تعويضٍ عن خسائرهم، بصفتها المنظمة العالمية الوحيدة المُختصَّة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول لفضّ النزاعات المُتعلّقة بالتجارة، وضمان إنسيابها.

وفقاً للتقارير التي تمّ تسريبها في بروكسل، فإن الوثيقة النهائية للمنظمة ستُحدِّد العقوبات عند 7 مليارات يورو. وهذا يكفي، وفقاً للخبراء، ليس فقط لضرب صناعة الطيران الأوروبية ولكن أيضاً صناعة المواد الغذائية.

دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي صرَّح "بالردّ بالمثل في حال قرَّرت إدارة ترامب فرض رسوم جمركية على البضائع الأوروبية"، والتي سبقتها خطوات فردية، من فرنسا التي أصدرت "ضريبة غافا" اختصاراً لأسماء شركات غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون. وتنصّ على فَرْضِ ضرائب نسبتها 3 بالمئة من رقم المبيعات التي تُحقّقها تلك الشركات في فرنسا، وليس على أساس الربح المُعلَن في إحدى دول الاتحاد الأوروبي ذات الضريبة المُنخِفضة مثل إيرلندا.
إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يكتفِ بانسحاباته المُتتالية من الاتفاقيات الدولية، ولا حتى بفرضه للعقوبات والضرائب على مَن يعتبرهم أعداءه، يستفيض باستفزاز بلدان الاتحاد الأوروبي، بفرضه رسوماً جمركية جديدة، سعياً منه إلى إفشال أية محاولة أوروبية مع الصين وروسيا أو غيرهما من البلدان، والتي قد تخلق للأوروبيين مساراً جديداً.
يبدأ تاريخ ترامب السياسي مع الانسحاب من الاتفاقات والمعاهدات بعد تنصيبه في كانون الثاني/يناير 2017، من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، (والتي تربط بلدان الشرق الآسيوي والقارّة الأميركية) وتمثّل هذه الاتفاقية حوالى 40% من إجمالي الاقتصاد العالمي، المعنية بإزالة الحواجز التجارية في المنطقة.

الانسحاب الثاني كان من نصيب اتفاقية باريس للمناخ، في حزيران/يونيو 2017، هذا الاتفاق الذي وقِّع عقب مفاوضات مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي في عام 2015 في باريس، الذي يضمّ نحو 200 دولة، هدفه الأساس هو مواجهة مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة، وكيفية إيجاد الحلول للتكيّف معها، والتخفيف من حدَّة ضررها على البيئة. مروراً بالانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو"، في تشرين الأول/أكتوبر 2017 مُتِّهماً إياها بالانحياز لفلسطين على حساب دولة العدو.

 وفي أيار/مايو 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الشهير أو ما يُعرَف بخطّة العمل المُشتركة الشاملة، شمل الاتفاق إلى جانب الولايات المتحدة وإيران كلًا من: "ألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا وفرنسا"، بهدف الحدّ من عمليات تخصيب اليورانيوم مقابل رَفْع العقوبات المفروضة على إيران والمُتعلّقة بتطوير الطاقة النووية السلمية، وكذلك العقوبات المُتعلّقة بالمُعاملات المالية والتجارة والطاقة.

أخيراً ولعلَّه ليس آخراً مع ترامب إن لم يتمّ عَزْله، معاهدة الصواريخ النووية مع روسيا في 1 شباط/فبراير 2019، المُتعلِّقة بالحد من الصواريخ النووية المتوسّطة. ذلك كله انقلاباً منه على العولَمة، التي هي أصلاً أميركية الصُنع.