اللجنة الدستورية وبراعة الأداء السوري

إن جُلّ التحديات السياسية التي عانتها الجمهورية العربية السورية خلال صِراعها مع الأطراف المُعادية الغربية والعربية، والتي أرْخَت كل ثقلها السياسي والعسكري لإغراق سوريا بالفوضى العارِمة، لم تستطع رغم كل المُقدِّمات التي أنجزتها وصاغتها سياسياً وعسكرياً، أن تمنع القيادة السورية من تحقيق هدفها الأساس في مسألة "الحوار الوطني"، على أن يكون سورياً- سورياً من دون أيّ تدخّلٍ خارجي.

مؤتمر الحوار الوطني السوري

بدأت لجنة مُناقشة الدستور تترجم عملها بعد مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عُقِدَ في مدينة سوتشي الروسية في أواخر يناير /كانون الثاني 2018، والذي يُعتَبر مُكمِّلاً لأحد بنود القرار الأممي 2245 سنة 2015، والذي ينصّ على "إجراء انتخابات حرَّة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهراً وسيتمّ التحوّل السياسي بقيادةٍ سورية".

هي تطلّعات أرادتها ما تُسمَّى بقوى المُعارضة، للتّمكين لها، ولتحصل على مقعدٍ سياسي في "سوريا الجديدة"، لكن ما حدث خلال فترة تشكيل هذه اللجنة المُخصَّصة لمُناقشة الدستور من نجاحٍ سياسي للمُمثّلين السوريين في مجلس الأمن، ومع انتصار الجيش السوري وخاصة في ريف حماه الشمالي وصولاً إلى مشارف إدلب، رجَّح كفَّة الميزان لصالح القيادة السورية.

ألغامٌ كثيرةٌ رافقت تشكيل لجنة مُناقشة الدستور بعد فشل ستافان دي مستورا، في تحقيق تشكيل هذه اللجنة الدستورية، جرَّاء الضغوطات الخارجية، وتحديداً الأميركية، من أجل زرع الألغام في مَنْعِ تحقيق هذا الحوار السوري- السوري وبرعاية الأمم المتحدة، ليأتي بعد ذلك المبعوث الأممي غير بيدرسون ويُتابع المهمة، حيث اتّسمت المُحادثات بالمرونة في عهده، وكان للتغيّرات الميدانية العسكرية السورية على وجه الخصوص، والاقليمية والدولية عموماً الأثر الكبير في إطلاق عمل هذه اللجنة، لا سيما وأنه في اجتماع أنقرة الأخير بين الدول الثلاث الضامِنة لمسار أستانة وللحل السياسي في سوريا "روسيا وإيران وتركيا"، وعلى اعتبار أن تركيا هي الجانب المسؤول عن ملف المُعارضة بشقَّيه السياسي والعسكري، يبدو أنه تمّ الاتفاق على صيغةٍ تسمح لهذه اللجنة برؤية النور، والشروع الفعلي في التوصّل إلى حلٍ سياسي في سوريا.

مُجريات الأحداث السياسية والعسكرية على الأرض السورية، فرضت نفسها دولياً واقليمياً، وباتت الأحلام الأميركية في إفشال التسوية السياسية في ملف الحوار الوطني السوري، تتضاءل، وتمّ فعلاً وبعد 18 شهراً من المُباحثات وجولات التفاوض، إعلان تشكيل اللجنة الدستورية. بدوره أكَّد وزير الخارجية السوري وليد المعلّم للمبعوث الأممي غير بيدرسون "التزام سوريا العملية السياسية بالتوازي مع ممارسة حقّها في مُكافحة الإرهاب"، وفي تصريحٍ آخر للمعلّم، قال إنه "بحث القضايا المُتبقّية المُتعلّقة بتشكيل اللجنة الدستورية وآليات وإجراءات عملها بما يضمن قيامها بدورها وفق اجراءات واضحة ومُتّفق عليها مُسبقاً وبعيداً عن أيّ تدخّل خارجي".

 وهذا يؤكِّد قُدرة وإصرار الدولة السورية على البدء بحوارٍ وطني جامعٍ لكافة الأطياف، وما هذه اللجنة إلا دليل قوَّة سياسية سورية قادِرة على تذليل كافة الخطط الأميركية الرامية إلى تعطيل أيّ حلٍ سياسي في سوريا.

تمكَّنت الحكومة السورية من مَنْعِ ما رغبت به القوى المُعادية بما يُسمَّى "الانتقال السياسي"، وحوَّلت الورقة التي أراد بها الطرف المُعادي زَعْزَعة الاستقرار، ومَنْع استكمال الوحدة الوطنية، إلى ورقةٍ رابحةٍ وبقرارٍ سوري-سوري.

هو انتصار للدولة السورية على المنصَّة السياسية الدولية، يُضاف إلى انتصارات الجيش العربي السوري في الميدان العسكري. وما الانصياع الظاهِر للقوى السياسية والعسكرية المدعومة تركياً، إلا نوع من استسلام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمطالب روسيا وإيران، فالأمور خرجت عن السيطرة المُحتَمَلة، خاصة وأن النتائج التي كانت تنتظرها أنقرة من الحرب على سوريا، لم تُحقّق ما تصبو إليه منذ خسارة إردوغان لحلب، ومع اقتراب موعد النصر الكبير الذي بدأت خواتيمه تتشكَّل، والتي من عناصرها الحوار السوري- السوري، ولجنة مُناقشة الدستور، الأمر الذي سيفرض مُعادلات جديدة في الحل السياسي، وخاصة في ملف إدلب، لأن المؤشّرات الحاصِلة من الاتفاق على اللجنة الدستورية، تُدلِّل على إنهاء الصِراعات بين قوى المُعارضة بكل أشكالها، والتي تستغلّها الجهات الخارجية لإطالة أمَد الحرب على سوريا، ووضع العراقيل لمَنْعِ استكمال الانتصار.

بقي أن نُذكِّر بما قاله مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشّار الجعفري خلال جلسة لمجلس الأمن، حين قال "إن تشكيل لجنة مُناقشة الدستور والاتفاق على مرجعيات وأُسُس عملها بملكية وقيادة سورية بعيداً عن أيّ تدخّل خارجي نجاح وطني تجاوز المعوقات التي وضعتها الدول المُعادية لسوريا". وأضاف الجعفري "إن السوريين وحدهم يملكون حق مُناقشة دستورهم واعتماده من دون أيّ تدخّلٍ خارجي أو مُمارسات ابتزاز تسعى إلى تحقيقها أطراف وحكومات راهَنت على زَعْزَعة أمن سوريا واستقرارها".

وبالتالي فإن الدولة السورية كما حسمت قرارها العسكري بتحرير الجغرافيا السورية من الإرهاب، فهي أيضاً قد حسمت قرارها السياسي بُغية قَطْع الطريق على أية محاولات أميركية راغِبة بالعَبَث بتداعيات الانتصار السوري السياسية.