عملية أرامكو في الزمان والمكان

يكثُر استخدام مُصطلح "الزمان والمكان" لدى العسكريين كدلالةٍ أساسيةٍ على ارتباط العمليّة العسكريّة بالأهداف العملياتيّة في مسارح العمليات، وكذلك بالغايات التعبويّة في مسارح الحرب حيث ينشط القادة التعبويون لتطبيق العمليات بما يتناسب مع المطالب السياسية لقادة البلاد، وهذا مُختَصر لمفهوم إدارة الحرب بالمعنى العسكري الأكاديمي.

كما ويوجد مستوى ثالث هو المستوى الاستراتيجي الذي يكون بعهدة القائد الأعلى للقوات المُسلّحة، والذي لديه حقّ التصرّف بالأسلحة الاستراتيجية (الأسلحة التي تطال العُمق الاستراتيجي لأرض العدو) حيث يعمد إلى استخدامها في أوّل لحظات الحرب لتعيين حدود ميدان الحرب، هذا إذا كانت طبيعة العمليات هي طبيعة مُنظّمة وكلاسيكية، أما في حال الحرب اليمنيّة حيث استطاع أنصارالله وبحِرَفيّة عالية جرّ الطرف الآخر باتجاه العمليات غير المنظّمة فلم يعد من ضرورة لاستخدام الأسلحة الاستراتيجية بالكيفيّة التقليديّة، وهذا ما حدث بالفعل في حرب اليمن التاسعة.

وكي لا نستغرق بالمُقاربة العسكرية، فإن عمليّة أرامكو جاءت في الزمان والمكان الذي أراده أنصارالله والجيش اليمني حيث الحاجة العالية لكل ما يدفع باتجاه التفوّق اللازم للمفاوضات، تلك المفاوضات التي سترسُم حدود النزاع والتي ستحدِّد قواعد الاشتباك، وأهم من هذا كلّه فإن تلك المفاوضات إذا ما أُديرت بشكلٍ صحيحٍ فإنها ستبرّز موازين القوى الحقيقية بعيداً عن صلف الملوك وغايات الدول العُظمى.

إن ما دفع الطرف اليمني إلى اللجوء إلى خيار قصف أرامكو والذي حمل شعار أن النفط السعودي ليس أغلى من الدّم اليمني، هو بالحقيقة تعنّت قادة المملكة أمام الدعوات العالمية لوقف الحرب، وأيضاً هو استخفاف محمّد بن سلمان وقائد أركان جيشه بالدم العربي والإسلامي مقابل الاستمرار بحربٍ لا طائل منها، والتي لم تحقّق أيّ هدف من أهدافها ولن تحقّق مهما تدحرجت تلك الأهداف أو حملت أيّ مُسمّى وهميّ.

وبسبب هذا التعنّت وذلك الاستخفاف جاءت عمليّة أرامكو للضغط على الدّول الصامِتة على جرائم التحالف بحقّ الشعب اليمني، والغامِزة من قناة النُصح بوقف الحرب التي لا جدوى منها، كي تصبح دولاً ناطقة ودافِعة بشدّة باتجاه وقف النزاع المُسلّح وذلك عندما رأت تلك الدول الصناعيّة أن موارد الطاقة العالمية وأسعارها باتت تحت التهديد، عندها استيقظ ضميرها؛ وقد أصاب توصيف سماحة السيّد نصرالله في تسعينات القرن الماضي عندما قال: "هو عالم لا يفهم إلاّ بالقوّة ولا يستيقظ ضميره إلاّ بالقوّة ولا ينطق كلمة من فمه إلاّ بالقوّة".

واللافت أكثر من أيّ شيء هو التحرّك الأميركي المباشر على خطّ النزاع المُسلّح، حيث عَمَدَ "ترامب" استجابةً لمطالب الأصدقاء الخليجيين كما يدَّعي بنشر منظومات دفاع صاروخي متطوّرة وحديثة لتعزيز أمن النفط، ولكن وفي المعنى الحقيقي لهذا التحرّك فإنه يحمل إشارات عسكريّة واضحة على خطّ فضّ الاشتباك وإنهاء الحرب بتوازن قوى مقبول قبل أن تتدحرج الأمور باتجاه تفوّق كاسِح لليمنيين سببه الأّوّل هو الغباء السعودي في إدارة الحرب، والثاني هو قوّة الأمر الواقع الذي سيُرخي بظلاله في النهاية على كلّ تبعات وذيول تلك الحرب.

لقد تدخّل الأميركيون في الوقت المناسب لإدارة عمليّة التفاوض وإنهاء الحرب الدائرة على قاعدة "أقلّ الخسائر المُمكنة"، وهذا التحرّك الأميركي هو حِرَفيّ ومُتوقّع؛ حِرَفيّ لأنه ردّ عسكري استراتيجيّ مناسب على عمليّةٍ عسكريّةٍ استراتيجيّةٍ ناجحةٍ في الزمان والمكان، ومُتوقّع لأنه وبالنسبة للأميركيين فإنّه لا صوت يعلو فوق صوت النفط، وفي النهاية فإننا نرفع القبَّعة بكل احترام للعقل اليمني الذي استطاع إدارة معركته بكلّ كفاءة وحِرَفيّة، والذي استطاع الإمساك والاحتفاظ بزِمام المُبادرة حتى إنهاء تلك الحرب.