علماء مصر والموساد.. بين "نوبل" و"مستودع الأموات"

يبدو أن العلماء في مصر نوعان: عالِم يحصل على جائزة نوبل، وآخر يكون مصيره المشرحة و«مستودع الأموات». فقد وصل البرادعي ذات يوم إلى قمّة الهرم الوظيفى، كمديرٍ لهيئة الطاقة الذرية، ثم وضع تقريراً عن العراق، حصل بعدها على جائزة نوبل. أما العالِم رمضان فلم نسمع عنه إعلامياً. وضع تقريراً عن إسرائيل وانتهى به الحال إلى المشرحة!.

العالِم المصري أبو بكر عبدالمنعم رمضان

أثارت وفاة العالِم المصري أبو بكر عبدالمنعم رمضان رئيس الشبكة القومية للمرصد الإشعاعي في هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية، شكوكاً وجدلاً واسعاً بين مختلف الأوساط في الداخل والخارج، قبل أن يصدر بيان رسمي من السفارة المصرية في المغرب يكشف مُلابسات وفاة العالِم المصري، والذي أكَّد وفاته بـ"السكتة القلبية". حضر سفير مصر في المغرب ليردّ على الاتهامات ووزيرة الهجرة تتابع الحادث..

توفّى العالِم المصري في مدينة مراكش المغربية خلال حضوره أحد المؤتمرات العلمية. وأمرت النيابة العامة في مراكش، بتشريح جثّته بعدما توفّى في ظروفٍ غامِضةٍ خلال إقامته في أحد الفنادق المُصنّفة في المنطقة السياحية، وجاء ذلك بعد تكليفه بدراسة الآثار المُحتَملة للمُفاعِلات النووية الإسرائيلية. كل ذلك أعاد إلى الأذهان ملف اغتيال علماء مصر في الخارج، فقد تعرَّض عدد من العلماء المصريين لحوادث اغتيال مُدبَّرة على أيدي أجهزة مخابرات لبعض الدول التي لا تريد لمصر التقدّم العلمي، ويشكّل علماء مصر خطراً كبيراً عليها. ونستعرض في ما يلي  أبرز خمسة حوادث اغتيال لعُلماء في مصر:

- سميرة موسى التي أعلن عن وفاتها في "حادث سير"، وهي أول عالِمة ذرّة مصرية ولُقّبَت بإسم «ميس كوري الشرق»، كانت تأمل أن يكون لمصر والوطن العربي مكان وسط هذا التقدّم العلمي الكبير، حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي تُسهم في تحقيق السلام، فإن أية دولة تتبنّي فكرة السلام لا بد وأن تتحدّث من موقف قوة. استجابت الدكتورة سميرة إلى دعوةٍ للسفر إلى أميركا في عام 1952، أُتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس في ولاية ميسوري الأميركية، تلقَّت عروضاً لكي تبقي في أميركا لكنها رفضت.

وقبل عودتها بأيامٍ استجابت لدعوةٍ إلى زيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 آب/ أغسطس، وفي طريق كاليفورنيا الوعِر المُرتفِع ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارتها بقوة وتُلقي بها في وادٍ عميق، قفز سائق السيارة زميلها الهندي في الجامعة الذي يقوم بالتحضير للدكتوراه والذي اختفي إلى الأبد. كانت الدلائل تشير إلى أن الموساد الإسرائيلي، الذي نفَّذ جريمة اغتيالها جزاء لمحاولتها نقل العِلم النووي إلى مصر والوطن العربي في تلك الفترة المُبكِرة.

- مصطفى مشرفة حُددت وفاته نتيجة "أزمة قلبية"، ويُعدّ أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتّت الذرّة وأحد العلماء الذين ناهضوا استخدامها في صنع أسلحة في الحروب، كما كان أول من أضاف فكرة جديدة، وهي إمكانية صنع مثل هذه القنبلة من الهيدروجين، إلا أنه لم يكن يتمنّى أن تُصنَع القنبلة الهيدروجينية أبداً. وصفه أينشتاين بواحدٍ من أعظم علماء الفيزياء. أضاف نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس، والتي تُعدّ من أهم نظرياته وسبباً في شهرته وعالميته. وفي 15 كانون الثاني/ يناير 1950، مات إثر أزمة قلبية، وهناك شكّ في كيفية وفاته فيُعتَقد أنه مات مسموماً، ويُعتَقد أيضاً أنها أحدى عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي أيضاً.

- يحيي المشد "عثروا عليه جثّة هامِدة مُهشَّمة الرأس". بدايته بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 حيث تمّ تجميد البرنامج النووي المصري، ما أدّى إلى وقف الأبحاث في المجال النووي، وأصبح الوضع أصعب بالنسبة إليه بعد حرب 1973 حيث تم تحويل الطاقات المصرية إلى اتجاهاتٍ أخرى، وهو الأمر الذي لم يساعده على الإبداع. أدّى ذلك إلى ذهابه إلى العراق ليُبدِعَ في أبحاثة في الذرّة بعد تلقّيه عرضاً من صدّام حسين.

في يوم الجمعة 13 حزيران/ يونيه عام 1980 وفي حُجرته رقم 941 في فندق الميريديان في باريس عُثِر على الدكتور يحيى المشد جثّة هامِدة مُهشّمة الرأس ودماؤه تغطي سجادة الحُجرة عن طريق الموساد الإسرائيلي. اعترفت إسرائيل والولايات المتحدة رسمياً باغتيال العالِم المصري يحيى المشد، من خلال فيلم تسجيلي مدته 45 دقيقة، عرضته قناة «ديسكفري» الوثائقية الأميركية تحت عنوان «غارة على المُفاعِل»، وتم تصويره بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي.

- سمير نجيب "طاردته سيارة نقل حتى وفاته"، في البعثة الأميركية عمل تحت إشراف أساتذة الطبيعة النووية والفيزياء وسنّه قبل الثالثة والثلاثين. تصادف أن أعلنت جامعة ديترويت الأميركية عن مسابقةٍ للحصول على وظيفة أستاذ مساعد فيها في عِلم الطبيعة، وتقدّم لهذه المسابقة أكثر من مائتي عالِم ذرّة من مختلف الجنسيات، وفاز بها نجيب. بدأ أبحاثه الدراسية التي حازت على إعجاب الكثير من الأميركيين، وأثارت قلق الصهاينة والمجموعات الموالية للصهيونية في أميركا. وانهالت عليه العروض المادية لتطوير أبحاثه، ولكنه خاصة بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 شعر أن بلده ووطنه في حاجة إليه، وصمَّم العالِم على العودة إلى مصر وحجز مقعداً على الطائرة المُتّجهة إلى القاهرة في 13/8/1967. وفوجىء ليلة سفره، أثناء قيادته لسيارته، بسيارة نقل ضخمة، ظنّ في البداية أنها تسير في الطريق شأن باقي السيارات، وانحرف إلى جانب الطريق لكنه وجد أن السيارة تتعقّبه، فأسرعت سيارة النقل ثم زادت من سرعتها واصطدمت بسيارة الدكتور الذي تحطَمت سيارته ولقيَ مصرعه على الفور.

- سعيد السيّد بدير "عُثِرَ عليه جثّة هامِدة في المنزل"، تخصَّص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي. وتوفّى سعيد السيّد بدير، في يوم 14 تموز/ يوليو 1989، في واقعةٍ وصفها الكثير بأنها حال قتل عَمْد. نُشِرت أبحاثه في جميع دول العالم حتى اتفق معه باحثان أميركيان في تشرين الأول/ أكتوبر 1988، لإجراء أبحاث معهما عقب انتهاء تعاقده مع الجامعة الألمانية. وبعد عدد من المُضايقات عاد إلى القاهرة في 8 حزيران/ يونيو عام 1988، لتحميه من محاولات مُتوقّعة لاغتياله وقرَّر السفر إلى أحد أشقائه في الإسكندرية لاستكمال أبحاثه فيها حيث عُثِرَ عليه جثّه هامِدة.

يبقى أن الحادثة الأخيرة قالت عنها وكالات الأنباء العالمية: إن "وفاة العالِم المصرى أبوبكر رمضان غامِضة.. بدليل أن إعلان الوفاة تأخّر عدّة أيام.. وصاحبته أيضاً حال من الارتباك".. لماذا ثارت الشكوك حول طبيعة الوفاة؟

يبدو أن العلماء في مصر نوعان: عالِم يحصل على جائزة نوبل، وآخر يكون مصيره المشرحة و«مستودع الأموات». فقد وصل البرادعي ذات يوم إلى قمّة الهرم الوظيفى، كمديرٍ لهيئة الطاقة الذرية، ثم وضع تقريراً عن العراق، حصل بعدها على جائزة نوبل. أما العالِم رمضان فلم نسمع عنه إعلامياً. وضع تقريراً عن إسرائيل وانتهى به الحال إلى المشرحة!.