لبنان الكرامة والشعب العنيد

بذلك يصحّ على لبنان وعلى شعبه ومقاومته وجيشه ما كتب فيه الأخوان الرحباني بأنه "لبنان الكرامة والشعب العنيد".

مواطنون لبنانيون يشاهدون القصف الاسرائيلي على مارون الراس بعد عملية أفيفيم الأحد الماضي

هي الأخبار مع بداية أيلول/ سبتمبر تأتي ناقِلة عن نتنياهو أنه ينفي وقوع إصابات عقب تدمير آلية عسكرية إسرائيلية عند طريق ثكنة "أفيفيم"، فيما وسائل الإعلام الإسرائيلية تؤكّد وصول إصابات إلى مشفى في الشمال على عكس بيان الجيش وكلام نتنياهو.

نعم نتنياهو ينفي.. لكن واقع الحال يؤكّد أنّ قوات الاحتلال هوجِمت بصواريخ مُضادَّة للدروع إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وأنه تمّ الردّ عليها بأكثر من 100 قذيفة.
الحقيقة أن كلام نتنياهو حول عدم وقوع إصابات كذَّبته مُراسلة الإذاعة الإسرائيلية، أورلي الكلعي، التي أكَّدت وصول جنديين جريحين إلى مستشفى رامبام شمال فلسطين المحتلة "خلافاً لبيان الجيش ونتنياهو". كما بثّت القناة 12 الإسرائيلية مشاهد لوصول مروحية عسكرية إلى مستشفى رامبام في حيفا.

وكان نتنياهو قد قال في ردٍّ أوليّ على استهداف حزب الله ناقِلة جُند على الحدود اللبنانية الفلسطينية، إنّ "لبنان سيدفع الثمن".

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ الجيش الإسرائيلي أعلن العودة إلى الحياة الطبيعية باستثناء المُزارعين بالقُرب من الحدود، كما نقلت عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أنّ الأخير أمر برفع الجاهزيّة في الشمال.

هنا يأتي الحديث عن أن "إسرائيل" وجَّهت أوامر إلى الجنود الإسرائيليين على الحدود الشمالية لاتّخاذ إجراءات تلقّي ضربة، وتحسّباً لأية هجمات إضافية، وأن المستشفيات تلقّت بلاغات بضرورة الاستعداد لاستيعاب المُصابين. فسبق أن قال نائب رئيس الأركان الإسرئيلي السابق اللواء احتياط يائير غولان إن "حزب الله وَعَد.. ونفّذ وَعده". في حين أن الإعلام الإسرائيلي ينقل أنه لا أحد يريد التصعيد في إسرائيل.

"لم أرَ هذا الخوف في عيون المُراقبين العسكريين الإسرائيليين سابقاً" هكذا تحدّث مراسل الميادين في فلسطين. أيضاً "لا أحد يريد التصعيد هنا في إسرائيل. وأنه في حال وقوع قتلى في صفوف الجيش فإنه من الخطأ الاستراتيجي الردّ بالنار". هكذا قال الإعلام الإسرائيلي، وإن وثّق ذات الإعلام فرار جنود إسرائيليين بعد عملية المقاومة. نعم يأتي كل ذلك عقب إعلان حزب الله تدميره آلية عسكرية إسرائيلية عند طريق ثكنة "أفيفيم" شمال فلسطين المحتلة.

الواقع أن ما سبق حدث في ظلّ مواصلة "إسرائيل" استهداف مخازن الأسلحة وقيادات من الحشد الشعبي العراقي. وكان لافتاً الإعلان الإسرائيلي السريع عن تبنّي الهجوم في سوريا، في حين لم تقدّم "إسرائيل" أيّاً من المُعطيات العملياتية حول حادثة الضاحية الجنوبية، وتبنّى نتنياهو الاستهداف في العراق عبر التصريح بأن قوّاته تُلاحِق حلفاء إيران في كل مكان (لبنان والعراق وسوريا).

هنا تأتي سرعة التبنّي الإسرائيلي، وتقديم مُعطيات من الجهات الاستخبارية حول استهداف عناصر حزب الله في سوريا تقودنا إلى دوافع مُرتبطة برئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، والذي يريد أن يُحقّق مكاسب انتخابية في ظلّ سخونة المُنافَسة والخشية من عدم تقلّد حزبه المركز الأول، وإظهار شخصيّته بقوّة وحَزْم أمام الجمهور الإسرائيلي، وهي ذات الأسباب التي دفعته إلى الاعتراف باستهداف قوات الحشد الشعبي العراقية، في محاولةٍ منه للاستفادة وتوظيف أيّ حدث يخدمه على الصعيد الانتخابي، بالإضافة إلى ما سيُحقّقه من مكاسب على صعيد تقوية علاقاته مع الدول العربية المُعادية لإيران.

الواقع أنه قد يكون اختيار "إسرائيل" تنفيذ عملية أمنية لا عسكرية في بيروت، محاولة لتغيير قواعد الاشتباك، واختبار إمكانات المقاومة من خلال احتكاكٍ أمني أو الردّ عليه، تُدرِك أنه لن يفتح حرباً شاملة، لا قُدرة لها على خوضها بعد تخلّي حلفائها العرب عن فكرة "التحالف" في وجه إيران وحلفائها. فهناك أكثر من بابٍ مفتوح، منه مُسيَّرات إسرائيلية في قطاع غزَّة، فغالباً ما تشمل طائرات غير مُحمَّلة بالصواريخ، وأخرى مُحمَّلة، بمعنى طائرة للاستطلاع والرَصْد وتحديد الهدف، والثانية للتنفيذ.
هنا حضرت أميركا على الخط ، فقد أعلن مسؤول في الخارجية الأميركية أن بلاده قلقة جرّاء تصعيد التوتّر على الحدود بين لبنان و"إسرائيل". وأن "الولايات المتحدة تدعم بالكامل حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها وعلى حزب الله أن يمتنع عن أعمالٍ مُعاديةٍ من شأنها تهديد أمن لبنان واستقراره وسيادته. "هذا الأمر هو مِثال آخر على دور وكلاء إيران المُزَعْزِع للاستقرار عبر تقويض السلام والأمن في المنطقة" وفق تعبيره.

لم يثن ذلك المقاومة عندما قررت إعادة ضبط الأمور من دون الرضوج لأي ضغوطات ناعمة. جاء الردّ حاسماً في ذروة الإطباق الاستخباري الإسرائيلي.

بذلك يصحّ على لبنان وعلى شعبه ومقاومته وجيشه ما كتب فيه الأخوان الرحباني بأنه "لبنان الكرامة والشعب العنيد".