حريق الأقصى وتهافت الأنظمة العربية
حلّت الذكرى الـ 50 لجريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك على يد الصهيوني الأسترالي مايكل روهان الذي ارتكب فعلته الشنيعة في 21 آب أغسطس من العام 1969 بتواطؤٍ مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي قطعت المياه بشكلٍ مُتعمَّدٍ ساعة إحراقه، كما عرقلت وصول سيارات الإطفاء إليه لكي تلتهم النيران أكبر مساحة مُمكنة منه.
وغنّي عن القول بأن جريمة إحراق المسجد الأقصى لم تكن تصرّفاً فردياً معزولاً أو كتصرّف أحمق لرجل فَقَدَ عقله بقدر ما كانت فعلاً واعياً لصهيوني يهودي يؤمِن كما يؤمِن الصهاينة المسيحيون بأن هَدْمَ المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم الثالث على أنقاضه هو ضرورة مُلحَّة للوصول بالفكر التوراتي التلمودي الصهيوني إلى أعلى غاياته وعودة المسيح المُنتَظر.
وفي هذا السياق لم تكن مُصادَفة أن مايكل روهان الذي ارتكب جريمة إحراق المسجد الأقصى عام 1969 وباروخ جولدشتاين الذي ارتكب مجزرة الحَرَم الإبراهيمي في الخليل أعلنا بشكلٍ واضحٍ أنهما نفّذا جريمتيهما بناء على أوامر الربّ وللتقرّب منه ونَيْل رضاه.
ورغم التباعُد الزمني النسبي بين جريمة إحراق المسجد الأقصى ومجزرة الحَرَم الإبراهيمي التي ذهب ضحيّتها عشرات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين وهم سُجَّد ، فإن القاسم المُشتَرك الأعظم بينهما أنهما كانتا تهدفان إلى تحقيق التقسيم الزماني والمكاني للمسجدين بين المسلمين والصهاينة، كخطوةٍ على طريق تحقيق الهدف الصهيوني الحقيقي المُعلَن وهو تهويد الأول بالكامل وتحويله إلى كنيسٍ يهودي خالِصٍ، وتهويد الثاني بعد تقسيمه زمانياً ومكانياً قبل هَدْمه وتحويله إلى كنيسٍ يهودي خالِصٍ أيضاً.
وما يمكن قوله بمناسبة الذكرى ال 50 لجريمة إحراق المسجد الأقصى أن الصهاينة واصلوا العمل منذ احتلالهم للقدس في حرب الخامس من حزيران عام 1967 على تهيئة الأجواء التي تمكّنهم من هَدْمِ الأقصى بصمتٍ ومن دون ضجيجٍ وذلك عبر الإيحاء بأن ذلك قد تمّ بفعل عوامل مناخية.
فالحفريات وإقامة الأنفاق وآخرها النفق الذي جرى افتتاحه بحضور السفير الأميركي في إسرائيل قد ينجم عنهما في أية لحظة سقوط المسجد إذا ما حدثت هزَّة أرضية أو حتى نتيجة لاختراق طائرة حربية إسرائيلية حاجِز الصوت قي حال اتّخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً سياسياً بذلك بدعمٍ من ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها في السادس من ديسمبر كانون الأول عام 2017.
وشخصياً أقول إنه في ظلّ ضعف الموقف الفلسطيني وتهافُت الأنظمة العربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل والصمت المُريب على الاقتحامات اليومية له، قد نستيقظ ذات يوم على خبر سقوط المسجد الأقصى على الأرض.
عودٌ على بدء فإن المسجد الأقصى أصبح مُستباحاً وآيلاً للسقوط عندما صمت العرب والمسلمون على جريمة إحراقه عام1969 ومكَّنوا رئيسة الوزراء الإسرائيلية في حينه غولدا مائير التي اعترفت بمذكّراتها من أنها لم تنم ليلة إحراق المسجد خوفاً من زحف العرب والمسلمين لتدمير إسرائيل ثأراً لإحراق المسجد من النوم بهدوءٍ وسكينةٍ في الأيام التالية.
أخيراً فإنه لا يفوتني بهذه المناسبة أن أحيّي المقدسيين الذين هبّوا لإطفاء المسجد الأقصى في ذلك العام المشؤوم بكل ما طالته أيديهم ويواصلون الدفاع عنه باللحم الحيّ حتى يومنا هذا.