التحرير الثاني حماية للبنان وإسقاط للخطة الأميركية الرابعة

أماّ لماذا سُمّيَ التحرير بالتحرير الثاني فلأن الأمر بكل بساطة كان لا يقل في خطورته عن خطر الكيان الصهيوني على لبنان لناحية الإستهداف المرتبط بتحويل لبنان كما غيره من بلدان المنطقة إلى بؤرة فوضى دائمة وهو أمر صنّفته المقاومة والقيادة السياسية وعلى رأسها فخامة الرئيس العماد ميشال عون بالمعركة الوجودية.

لم تكن عمليات تحرير جرود عرسال وجرود رأس بعلبك والقاع مجرد عمليات موضعية مرتبطة بتحرير بقعة جغرافية محتلة بل كانت جزءاً من معركة وجود تستهدف لبنان وسوريا وكل المنطقة، فالتموضع الإرهابي في هذه الجرود اللبنانية – السورية المترابطة أعلن أهدافه بشكل واضح من خلال سلسلة من البيانات المكتوبة والمصوّرة حول نيّة الجماعات الإرهابية "تحرير" لبنان وضمه إلى "ولاية الشام".

ومنذ العام 2012 بدأ الجدل الداخلي في لبنان حول وجود لعناصر من تنظيم القاعدة من عدمه في جرود عرسال وتحوّل البلدة إلى قاعدة لوجستية وممّر للسلاح بإتجاه سوريا بتأكيدات من وزير الدفاع حينها فايز غصن وتكذيب من قوى 14 آذار التي اعتبرت الأمر اصطفافاً إلى جانب الدولة السورية واقحمت الموضوع في الجدل السياسي وأحبطت أي إجراءات استباقية سواء على المستوى العسكري أو الأمني.

ورغم تكرار الإعتداءات على الجيش اللبناني ودورياته واستشهاد النقيب بيار مشعلاني والرقيب ابراهيم زهرمان وعرض الجثتين في شوارع عرسال وعمليات إستهداف أخرى أصرّت قوى 14 آذار على وضع فيتو حول مجرد الكلام عن وجود إرهابيين كما أصرّت على توصيفهم ب "الثوار" وهو الأمر الذي عقّد الإجراءات العسكرية والأمنية وأتاح لهذه الجماعات التنقل والتموضع بحرية وصلت إلى حدود بناء قواعد سيطرة تحولّت إلى تهديد مباشر للبنان سواء من خلال مرور المفخخات إلى المدن والبلدات اللبنانية أو عبر الهجمات المباشرة على مواقع الجيش وأسر جنوده سنة 2014 وكان الوجود الإرهابي حينها قد تحوّل إلى قوة كبيرة وتحولّت عرسال إلى قاعدة ربط مع القلمون السوري ونقطة قيادة خلفية بشكل علني ودون إي مواربة.

أماّ لماذا سُمّيَ التحرير بالتحرير الثاني فلأن الأمر بكل بساطة كان لا يقل في خطورته عن خطر الكيان الصهيوني على لبنان لناحية الإستهداف المرتبط بتحويل لبنان كما غيره من بلدان المنطقة إلى بؤرة فوضى دائمة وهو أمر صنّفته المقاومة والقيادة السياسية وعلى رأسها فخامة الرئيس العماد ميشال عون بالمعركة الوجودية.

على المستوى السياسي كان للقرار الجريء والشجاع لفخامة الرئيس عون وقيادة الجيش دور أساسي في اتخاذ قرار إنهاء الحالة الشاذة والقضاء عليها رغم التهديدات الأميركية بقطع الإمدادات عن الجيش اللبناني إذا ما أقدم على تنفيذ عملية التحرير بالموازاة مع طرح شعارات طائفية من قوى 14 آذار على شاكلة من عكار إلى عرسال للضغط على الرئيس عون وقيادة الجيش بإلإحجام عن تنفيذ العملية التي نُفّذت على مرحلتين توّلت فيها المقاومة تحرير جرود عرسال وفليطا في الجانب السوري بالتعاون مع الجيش العربي السوري وتولّى فيها الجيش اللبناني تحرير جرود رأس بعلبك والقاع بالموازاة مع تحرير جرود قارّة والجراجير بعملية عسكرية مشتركة بين المقاومة والجيش العربي السوري.

على المستوى العسكري كان لتحرير جرود عرسال ورأس بعلبك في الأراضي اللبنانية وجرود فليطا وقارّة والجراجير في الأراضي السورية  نتائج إيجابية كبيرة على لبنان وعلى سورية معاً وتالياً على مجمل المنطقة.

كان لتحرير الجرود على المستوى اللبناني نتائج هامّة في البعدين السياسي والأمني

  • حيث كنا أمام موقف موحّد للقوى السياسية اللبنانية حول عمليات الجيش وبعض التباين حول عمليات المقاومة بنتيجة الإنقسام السياسي والموقف من حزب الله.
  • إثبات نجاعة مقولة الشعب والجيش والمقاومة التي كانت أحد العوامل التي سرّعت في إسقاط الحالة التكفيرية بالرغم من وجود عدد قليل من الأصوات النشاز .
  • تأمين أعلى مستوى من الحماية الأمنية للبنان بنتيجة ضرب قواعد الإرهاب وإنهاء وجودها العسكري وكشف العديد من الخلايا فيما بعد نتيجة حصول الجيش والمقاومة على معلومات هامّة سواء من الأسرى أو من الملفات التي تم ضبطها في أوكار الإرهابيين .
  • إخراج بلدة عرسال من دائرة الإرهاب والبدء بعودة الأهالي في عرسال وراس بعلبك والقاع الى ارزاقهم في الجرود سواء كانت كسارات ومقالع أو بساتين مختلفة وإنهاء دورها كقاعدة لقيادة العمليات الإرهابية في لبنان وسوريا.

هذا على المستوى اللبناني، أما على المستوى الأكبر والذي يمكن أن نسميه بالمستوى الإستراتيجي فقد حققت عمليات التحرير الثاني مجموعة من النتائج الكبرى:

  • انهاء وجود الجماعات الإرهابية في بقعة تموضع جغرافية خطرة على سورية ولبنان كان لها دور اساسي في اسقاط سورية ولبنان معاً واذا ما عدنا الى الذاكرة قليلاً لوجدنا ان هذا التواجد في الجرود اللبنانية كان جزءاً من انتشار هذه الجماعات في الجرود السورية، ففي المرحلة الأولى من الحرب على سورية تسرّب الى العلن أهداف ما سمّي حينها بالخطة الأميركية الرابعة وهي خطة كانت تهدف إلى وصل جبل الشيخ (حرمون) وسفوحه وبلداته مع جبال منطقة القلمون وسفوحها وبلداتها حتى مشارف مدينة حمص لتحقيق السيطرة على مفاتيح دمشق والمنطقة الوسطى في سورية ضمن 

خطة أكبر سمّيت بخطة H وهي الخطين المتوازيين من جبل الشيخ إلى القلمون الغربي،   ومن درعا إلى دمشق والقلمون الشرقي وخط الربط بين الخطين من الكسوة حتى اوتوستراد السلام.

عندما بدأت عمليات التحرير الثاني سبقها الكثير من العمليات العسكرية لتقليص سيطرة الجماعات الإرهابية على طول خطّي الخطة الأميركية H وخصوصاً على خط السلسلة الشرقية لجبال لبنان والغربية بالنسبة لسورية وكان أهمها تحرير الزبداني التي كانت بمثابة قاعدة القيادة والسيطرة الأساسية بما يرتبط بعمليات الجماعات الإرهابية على امتداد خط انتشارها وهو الأمر الذي كان له ترددات قاسية في غرف المخابرات الصهيونية وقادتها الذين ذرفوا دموعاً بعد تحرير يبرود وأصيبوا بالصدمة بعد تحرير الزبداني وانصعقوا من نتائج عمليات حزب الله والجيش اللبناني أن من حيث سرعة التحرير أو من حيث مستوى الأداء العسكري الإحترافي للجيش اللبناني والمقاومة وهو ما يدخل في حسابات دقيقة للغاية ترتبط باية مواجهة قادمة مع الكيان الصهيوني على الجبهة اللبنانية.

وبهذا يكون الجيش اللبناني والمقاومة قد حقّقا نصراً لبنانياً بصدى إقليمي وساهما مساهمات كبيرة في إسقاط الخطط الأخطر على سورية ولبنان وهو ما يجب ان يكون مدار بحث حول أهمية التكامل والتناغم بين البلدين واعتباره درساً يجب الإستفادة منه في المستقبل.