ماذا لو هُزمت المقاومة؟
لو أن المقاومة هُزمت، ونقول لو، لسرقوا منًا صوت فيروز، وحرّفوا قصائد محمود درويش، وأذابوا حبر حنظلة. لو هزمت المقاومة لافترشنا الطرقات لاجئين هاربين ومحرومين.
قصص الأساطير تتمحور حول أحجية الوجود البشري، حول آدم وحواء، الخير والشر، الملاك والشيطان، والكثير من هذه القصص أخبرتنا كيف أن "الضدّ يظهر حُسنه الضدُ. وهكذا الحروب أيضاً. لا يستلذ المرء بطعم انتصاراته ولا يشعر بعلقم هزائمه إلا لو عكس النتيجة التي حصل عليها.
في لبنان، جعلتنا المقاومة ننتصر، أجبرتنا على الشعور بالعز والفخر والقوة، كيف لا، وهي من داوت جروح العائلات المنكوبة، وأجبرت المحتل، أجبرته مطأطأ رأسه ورأس من يقف خلفه، أن يرحل.
منذ 13 عاماً كانت هناك حرباً دامية على لبنان لم تهدف إلى القتل والتهجير فقط. الحرب كانت وجودية بالنسبة لإسرائيل هدفها القضاء على حزب الله بما يعني الحزب من قاعدة شعبية ومؤسسات وتنظيم عسكري. ضُربت البنى التحتية لأن "إسرائيل" اعتقدت أن الحزب يتحول لشحنات كهربائية ويعيش داخل الأسلاك. قصفت المدارس والجامعات، وكأن العسكر يختبئ خلف مقاعد الدراسة. شرّدت ويتمت الآلاف وأكثر..
33 يوماً كانت كافية جداً ليدمر الكيان الصهيوني أبسط مقومات العيش في لبنان، لكنّه لم ينجح. المحلل الإسرائيلي "بن كاسبي" كتب في صحيفة معاريف الإسرائيلية بعد مرور شهر على انطلاق العمليات القتالية في حرب تموز "أصبحنا على قناعة أن ما يحدث ليس عملية قتالية برية محدودة، ولا يوجد بما يحدث قتال، بل ما يحدث هو حرب وجود مصيرية تشبه حرب التحرير، ولها قسوة مماثلة لما لاقيناه في حرب يوم الغفران". قسوة الحرب وضراوتها اعترف بها العدو أولاً. 33 يوماً خاض فيها لبنان معركة واحدة بأعداء كُثر...
ولأننا انتصرنا، وحررنا وأوجعنا المحتلين، وأجبرناهم على الهرولة من بلادنا. نستطيع أن نصنع فرضيات ونستحضرها لمعرفة قيمة ما وصلنا إليه. تماماً كأن لا يعرف المريض قيمة الشفاء إلا ليكون عليلاً، ولا يدرك الشعب قيمة الكرامة إلا بعد أن يختبر الذل. وبعد حرب اختبرها اللبنانيون يأتي السؤال المشروع، ماذا لو هزمت المقاومة؟ ماذا لو هزم حزب الله؟
نحن جميعاً، أبناء المقاومة لا نريد أن تتخيل الهزيمة. ولكن إن كان لا بد من ذلك، ولو أن المقاومة هُزمت لكنا اليوم خلف قضبان سجون الاحتلال، أو في أحد الملاجئ مذلون مهانون. لو أن المقاومة هزمت في تموز لكنا قاسينا ما يقاسيه الشعب الفلسطيني اليوم. كان هدف الإسرائيلي من الحرب دفن القضية الفلسطينية والقضاء عليها، وتدشين قلعة التطبيع التي بدأت فعلاً، لكن ليس في لبنان.
لو أن المقاومة هُزمت، ونقول لو، لسرقوا منًا صوت فيروز، وحرّفوا قصائد محمود درويش، وأذابوا حبر حنظلة. لكانت العبرية لغتنا الأساس، وترحمّ العالم على اللغة العربية، وعلى العرب.
المقاومة أنقذت لبنان وفلسطين، وانتشلت ما تبقى من مقاومة الشعوب العربية، وحملت على عاتقها المستقبل المشرّف للبنان وفلسطين والمنطقة. نصر تموز كان بدايات الانتصارات، وبداية النهاية لإسرائيل ولكل إرهابي يتربص لنا خلف تلة أو دبابة.