العلاقات المُباشرة والعلنية بين السعودية والكيان الصهيوني
وفي النهاية ما أودّ الإشارة إليه أن العلاقات المباشرة والعلنية بين السعودية والكيان الصهيوني للأسف تتوسَّع مع بعض الدول المُحيطة بها، لكن مازال لدينا الأمل في البقية الباقية التي ترفض التطبيع من الدول الخليجية كالكويت مثلاً والدول العربية الأخرى كالجزائر والعراق وبلدي الحبيب سوريا والمقاومة الشريفة في لبنان وفلسطين والتي ستدفن المشاريع الصهيونية والداعمين لها.
إن الحديث عن العلاقة بين المملكة السعودية والكيان الصهيوني حديث طويل ، فالعلاقة بينهما قديمة بل إن المُستشار الخاص والرجل المُقرَّب من عبد العزيز آل سعود وهو (جون فيلبي) وهو صهيوني بريطاني ، وجون فيلبي نفسه هو مَن ذَكَرَ في مذكَّراته التي كتبها في يوليو عام 1955 في بيروت في الفصل الأول الصفحة 97:(إنه في مؤتمر العقير الذي انعقد عام 1922 قام عبد العزيز آل سعود بكتابة تعهّد كتابي لـ (برسي كوكس) المُقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي يُقرّ فيه بأنه لا يُمانِع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود المظلومين) ، وبناء على تعهّد عبد العزيز بدعم إعطاء فلسطين للصهاينة قامت بريطانيا بدعم عبد العزيز بشكلٍ كبيرٍ بالمال والسلاح ، إلا أن انتصر على الشريف حسين في عام 1925 وأخرجه من الجزيرة العربية، وأيضاً اتفاق كوينسي الذي انعقد في 14 فبراير عام 1945 وذلك على متن الطرَّاد الأميركي (يو أس أس كوينسي) بين الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت وعبد العزيز آل سعود، عن هذا الاتفاق تحدَّث مُستشار الأمن القومي الأميركي السابق (زبغيو برجينسكي) في كتابه خارج السيطرة في الفصل الرابع الصفحة 323:(أنه في اتفاق كوينسي كان المُعلَن عنه أنه بين روزفلت وعبد العزيز ولكنه في السرّ حضر فيه كل من رئيس المنظمة الصهيونية العالمية آنذاك حاييم وايزمان ودافيد بن غوريون وفيها تعهَّد عبد العزيز لكلٍ من بن غوريون ووايزمان أن يدعم إقامة دولة إسرائيل بمقابل حمايته وحماية أسرته).
وهذه العلاقة السرّية التي نشأت بين عبد العزيز والكيان الصهيوني ورَّثها إلى أولاده، فأولاده الذين كانوا في دوائر القرار كانت لهم علاقة بالكيان الصهيوني، وأنا هنا سأفصل بعلاقة الملك فيصل بالكيان الصهيوني، ففيصل هذا كان أكثر أولاد عبد العزيز ذكاء ودهاء واستطاع إيهام الشعب العربي أنه مع القضية الفلسطينية وضد إسرائيل لكن الواقع كان مختلفاً لهذا تماماً ، ففيصل كانت علاقته قوية بالكيان الصهيوني وهذا ما يتبيَّن من خلال وثائق واشنطن السرّية التي تمّ الإفراج عنها مؤخّراً وتؤكّد إحدى هذه الوثائق وتحمل الرقم (9) من الوثائق تشير إلى رسالةٍ شهيرةٍ وجَّهها فيصل بن عبد العزيز للرئيس الأميركي آنذاك (ليندون جونسون) وطالب فيصل في رسالته من جونسون بضرورة أن تقوم أميركا بدعم إسرائيل وتنفيذ هجوم خاطِف على مصر وسوريا تستولي فيه على أهم الأماكن الحيوية وتضرب الجيشين العربيين السوري والمصري، كما اقترح فيصل مُساعدة إسرائيل للاستيلاء على قطاع غزَّة الذي كان وقتها تحت الحُكم المصري والجولان السورية، واعتبر أن الاستيلاء على الضفة من الأردن ضروري لكي لا يبقى للفلسطينيين أيّ أمل في أية أرض، كما طالب في رسالته دعم وتقوية مصطفى البرزاني لإقامة حكومة كردية في شمال العراق مهمّتها إشغال أيّ حُكم عربي يُنادي بالوحدة العربية.
لكن هذه العلاقة بين الكيان الصهيوني والسعودية في السابق كانت تتَّسم بصفة السرّية، فكان المسؤولون السعوديون يحرصون على إخفائها وعدم إظهارها للعَلن، لكن هذه العلاقة في السنوات الأخيرة وتحديداً منذ صعود سلمان وإبنه للحكم اتّخذت صفة العلنية فأصبحنا نرى المسؤولين السعوديين والإسرائيليين علناً وفي زياراتٍ علنيةٍ ومنهم تركي الفيصل الصديق الحميم للإسرائيليين، والذي يحب دائماً التقاط الصوَر مع المسؤولين الصهاينة، وزيارات أنور عشقي المُقرَّب جداً من محمّد بن سلمان إلى تل أبيب ولقاءاته مع المسؤولين الصهاينة، بل إننا أصبحنا نرى الصحافيين الإسرائليين علناً في أرض الحجاز كالصحافي الإسرائيلي (يوسف زيتيتش) الذي ظهر في أرض الحجاز قبل فترة قصيرة يتنقّل ويتجوَّل وكانت صحيفة (إسرائيل هيوم ) الصهيونية قد غطَّت هذا الموضوع بشكلٍ كبير، ومحمّد بن سلمان نفسه تحدَّث عن التقارُب والعلاقة مع الكيان الصهيوني في 15-5-2016 في مقابلة له مع مجلة أتلانتيك الأميركية، وقال فيها إن إسرائيل لم تعد عدوَّة العرب والتنسيق السعودي الإسرائيلي ضد إيران كبير جداً، كما قال محمّد بن سلمان في نفس المقابلة بحق الشعب اليهودي في دولته الخاصة، هذا بالإضافة إلى دوره في إتمام ما يُطلَق عليه إسم (صفقة القرن) وذلك لتصفية القضية الفلسطينية تصفية كاملة، وذلك بالتعاون مع الصهيوني غاريد كوشنير صديقه الحميم والصهيوني الآخر غينسون غرينبلانت، كما قام أيضاً بالضغط على السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس وقام بإغرائه بمليارات الدولارات في مقابل أن ينسى القدس نهائياً وتصبح العاصمة ضاحية أبو ديس، لكن محمود عباس رفض هذا العرض، ورغم هذا الرفض الفلسطيني من كافة الفصائل والمكوّنات لصفقة القرن قام بن سلمان مع أصدقائه في ثلاثي الشر (غاريد كوشنير وغرينبلانت وديفيد فريدمان) بعقد المؤتمر الاقتصادي لصفقة القرن في المنامة والذي بدا فيه كوشنير كالأستاذ الذي يُلقي محاضرة، وأيضاً الحرب الإرهابية الوحشية التي تقوم بها السعودية على الشعب اليمني منذ مارس 2015، وذلك عندما استعاد الشعب اليمني قراره وتحرَّر من السعودية من خلال ثورته التي نجحت في 21 سبتمبر 2014 بقيادة أنصار الله ، فشنَّت السعودية بالتعاون مع الكيان الصهيوني حربها على الشعب اليمني وأنصار الله، ولأن أنصار الله يرفعون شعارات الموت لأميركا والموت لإسرائيل ووجهتهم وبوصلتهم الأصلية هي فلسطين ، وللتأكيد أن هذه الحرب الإرهابية على الشعب اليمني وأنصار الله هي حرب صهيونية بالدرجة الأولى، فإنه قبل ثلاثة أيام من شنّ الحرب على اليمن أي في 21 مارس عام 2015 صرَّح رئيس وزراء الكيان الصهيوني أمام مؤتمر للأيباك أن حركة أنصار الله الحوثيين هي حركة خطرة علينا ويجب القضاء عليها، وبعدها بثلاثة أيام أي في 25 مارس عام 2015 بدأت الحرب على الشعب اليمني المسكين وهذا ما يُدلِّل على أن الكيان الصهيوني هو المُستفيد الأول من هذه الحرب.
هذا بالإضافة إلى الحرب ونشر الطائفية التي زرعتها السعودية في الدول المقاوِمة للكيان الصهيوني من سوريا ودور السعودية فيها من خلال إرسال الإرهابيين إليها ودعمهم بالمال والسلاح في الحرب العالمية الإرهابية التي شنّت عليها منذ أكثر من ثماني سنوات، ومُعاداتها لحزب الله المقاوِم والشريف ومحاولة استهدافه بشتّى الوسائل، حتى أن وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل عندما انتصر حزب الله على الكيان الصهيوني انتصاراً مُشرِّفاً مطلع عام 2006 وصفهم بالمُغامرين.
وفي النهاية ما أودّ الإشارة إليه أن العلاقات المباشرة والعلنية بين السعودية والكيان الصهيوني للأسف تتوسَّع مع بعض الدول المُحيطة بها، لكن مازال لدينا الأمل في البقية الباقية التي ترفض التطبيع من الدول الخليجية كالكويت مثلاً والدول العربية الأخرى كالجزائر والعراق وبلدي الحبيب سوريا والمقاومة الشريفة في لبنان وفلسطين والتي ستدفن المشاريع الصهيونية والداعمين لها.