عودة القوات الأميركية إلى السعودية.. استعراض قوّة
السعودية باتت بأمسِّ الحاجة إلى وجود القوات الأميركية في المرحلة الراهِنة، كحارسِ أمنٍ في مواجهة المعارضين المُحتَملين.
الإعلان الذي صدر يوم السبت الفائت في السعودية، وتحدَّث عن نشر مئات من الجنود الأميركيين في قاعدة الأمير سلطان بن عبد العزيز الجوية خارج العاصمة الرياض، يُنبئ في تفاصيله بمسارٍ تصادُمي جديدٍ بين واشنطن وطهران، حيث أن عودة الجنود الأميركيين إلى السعودية تُشير إلى تصعيدٍ أميركي واضح في الأهداف والمضمون، فالاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن مُنفردة، إضافة إلى التطوّرات المُتسارِعة التي أرخت بظلالها على مياه الخليج العربي، لجهة استهداف ناقلات النفط، والردّ الإيراني باحتجاز ناقلة نفط ترفع العَلم البريطاني، كلها مُعطيات تؤكِّد أن مياه الخليج تُلامِس حرارتها حدّ الغليان السياسي والعسكري، فالتصعيد الأميركي المُستفزّ ضد إيران، دائماً ما يأتي في إطار التصعيد السياسي، مع التلويح باستخدام القوّة، وبين التصعيد السياسي واستعراض القوّة، يبدو أن دونالد ترامب يسير في خطٍ لن يوصله إلى طهران، التي لا توائمها سياسات الاستفزاز.
الكونغرس الأميركي كان واضحاً عندما طلب من إدارة ترامب مراجعة سياستها تُجاه طهران والعمل في إطار التهدئة، بالإضافة إلى مراجعة السياسة حيال السعودية، خاصة مع وليّ العهد محمّد بن سلمان، وقد صوَّت مجلس النواب الأميركي على مشروع قرار للحدّ من صفقات السلاح إلى الرياض، لكن ترامب مُستمرٌ في الدَّفع بالأوضاع إلى المزيد من التوتّر، فإرسال الإدارة الأميركية قوات جديدة إلى القاعدة الجوية فإنها تتصرَّف بطريقةٍ عكسية، الأمر الذي يُمكن وضعه في بوتقة مخاطر سوء التقدير الأميركي والتصعيد المُتزايد.
ضمن القراءات الإيجابية التي تلت القرار السعودي والموافقة الأميركية، يمكننا البحث عن الأهداف والدوافِع وراء هذا الإجراء، حيث أن سلوك البيت الأبيض في إعلان عودة القوات الأميركية إلى السعودية، يأتي في ظلّ تفاقُم التوتّرات الإقليمية، فإعادة فَرْض العقوبات على طهران، ومحاولة تصفير صادراتها النفطية، ومع تزايُد الوجود العسكري الأميركي في الخليج، وبناء تحالفات بحرية للسيطرة على طُرُق الملاحة، كلها مُعطيات أوجدت الظرف السياسي والعسكري لتُفاقِم المخاوف الإقليمية بشأن تصاعُد التوتّر مع طهران، وواشنطن ضمن هذه الأجواء تعمل على زيادة قوّاتها كإجراءٍ احترازي، لأن القراءة الأميركية للمُعطيات العسكرية، أدركت أن القدرة العسكرية الإيرانية، والتفوّق العسكري الذي أظهرته في الردّ بشكلٍ مناسبٍ وحاسمٍ على التهديدات، انعكس سلباً على الأجواء في منطقة الشرق الأوسط، فالأنظمة الحاكِمة في هذه المنطقة تُدرِك أن الحرب ضدّ طهران ستكون كارثيةً على الصُعُد كافة، ومن بابٍ أولى عدم دَفْع الأمور في هذا الاتجاه والبحث عن سُبُلِ التهدئة، وضمن هذا المعُطى، من المُحتمل أن يكون المسؤولون الأميركيون وبسبب إدراكهم لهذا الموقف الذي تتّخذه العديد من دول الشرق الأوسط، يبحثون عن أماكن أخرى في المنطقة لتقديم الدعم لقوّاتهم، والسعودية تعدّ الخيار الأنسب على اعتبار العلاقة الاستراتيجية والأهداف المشتركة ضد ايران، فالقرار السعودي نابعٌ من أمرين:
الأول هو إرضاء واشنطن والعمل على تحقيق أهدافها الإقليمية.
الثاني له بُعدٌ داخلي نابِع من قلق القيادة السعودية من احتمال حدوث توتّراتٍ داخلية.
وضمن الأمر الثاني تُدرِك السعودية بأن سياستها الداخلية ستؤدّي إلى تفجير الأوضاع، جرَّاء الكثير من الوقائع التي تتمحور حول جوانب الحريات الشخصية، والأوضاع الاقتصادية المُتردّية، فضلاً عن الحرب على اليمن التي أرهقت السعوديين، لذلك كان محمَّد بن سلمان يسعى دائماً إلى تغيّر الظروف وإطلاق الكثير من الحريات المدنية، ورغم ذلك فقد سُجِّل العديد من التحرّكات الاحتجاجية التي تمّ التعامل معها بالحديد والنار مباشرة، يُضاف إلى ذلك، معارضة قسم من أعضاء العائلة المالِكة للمُمارسات السعودية في الداخل والخارج، حتى أن بعض الأمراء السعوديين كانوا ممَن نظَّموا مظاهر الاحتجاج في العديد من المدن السعودية.
نتيجة لذلك، لا يمكننا أن نضع الخطوة السعودية الأميركية المُتعلّقة بعودة القوات الأميركية إلى السعودية، في إطار استعراض القوّة ضد إيران فحسب، لأن جُملة المُعطيات والوقائع التي برزت مؤخّراً في منطقة الخليج، تؤكّد أنه إلى جانب المسار التصادُمي الذي تتّخذه واشنطن ضد طهران، إلا أنه هناك رغبات ضمنية لدى واشنطن والرياض بعدم تصعيد التوتّر أكثر من المستوى الذي وصل إليه، ويكفي أن نقول بأن هذه الخطوة وإرسال عدد محدود من الجنود الأميركيين إلى السعودية، لا يمكن إطلاقاً أن يكون بوادر حرب، فالرسائل الداخلية لجهة السعودية، والخارجية لجهة إيران والمنطقة، التي حملتها هذه الخطوة، لن تكون إلا في إطار استعراض القوَّة الأميركية، حيث أن ترامب يهوى هذه الاستعراضات، كما أن السعودية باتت بأمسِّ الحاجة إلى وجود القوات الأميركية في المرحلة الراهِنة، كحارسِ أمنٍ في مواجهة المعارضين المُحتَملين.