التّهديدات الإسرائيليّة للجزائر من الأراضي المغربيّة وصراع المحاور
تكمن الخطورة في الموقف المغربي الذي جلب "إسرائيل" إلى المنطقة في خطوة التطبيع العلني ومنحها دور الحامي للعرش الملكي، بعد أن كان يخفي تعامله معها.
إذا تمعّنا في الأحداث الراهنة في الجزائر، فسنجد أنها لا تنفصل عن بعضها البعض، إذ إنَّها تتوالى في سياق مترابط ومتسلسل من الحرائق، انكشف الغطاء عن فاعلها المشحون بعداء خارجي، وهي محاولة يائسة يطلقها وزير إسرائيلي في قلب العاصمة المغربية الرباط، بغية التّمهيد لاستهدافها بأفعال عدوانيّة، فضلاً عن أنَّ الحدث الدّاخليّ أيضاً لم يكن منعزلاً عما يجري في محيط إقليمي مضطرب تتحرك فيه أدوات خفية وخلايا نائمة تنتظر دورها هنا وهناك، فخارطة المصالح وتوسيع نفوذ القوة لا تعرف حدوداً داخلية، وهي تمتدّ أفقياً في كل الاتجاهات، وتطيح حصانة الأمن القومي الجزائري.
عقيدة الجزائر السياسيّة
بالنّظر إلى عقيدة الجزائر السياسيّة، سنجد أنَّها تأخذ من ميزان العدل حداً فاصلاً في مواقفها السيادية التي لا تقبل فيها الجدل تجاه قضاياها المصيرية، وتلتزم بنهج لا يتعارض مع مبادئها الثابتة، وهو ما انعكس مؤخراً حين تبنَّت، وبدعم مصريّ، حراكاً دبلوماسياً مناهضاً لقرار عضوية الكيان الصهيوني كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي يستهدف الحصول على أغلبيّة كفيلة بإسقاطه في الاجتماع المقبل للمجلس التنفيذيّ للاتحاد.
اهتمام إسرائيليّ بالغ بالجزائر
تهتمّ "إسرائيل" كثيراً بالجزائر، كما سبق لها أن اهتمت بالعراق وسوريا، وهي لا تتوقف عن السعي لتفتيت كل الدول العربية الكبرى إلى دويلات متقاتلة متناحرة، حتى تضمن تفوقها وسيادتها على كل المنطقة الممتدة من الخليج إلى المحيط بشعوبها وخيراتها، والجزائر موجودة في صميم هذا المخطط.
لذلك، إن سعي "إسرائيل" كان ولا يزال يكمن في محورين، يتعلق الأول بمحاولات استنزافها عبر خلق صراعات جانبية قد تصل إلى المواجهة العسكرية مع جارتها المغرب وتغذية التهديدات الأمنية الإقليمية للجزائر من منطقة الساحل والجنوب، فيما يتمثل المحور الآخر بمحاولة اختراق النظام السياسي الجزائري، وخصوصاً الجيش والأجهزة الأمنية.
الموقف المغربي
تكمن الخطورة إذاً في الموقف المغربي الذي جلب "إسرائيل" إلى المنطقة في خطوة التطبيع العلني ومنحها دور الحامي للعرش الملكي، بعد أن كان يخفي تعامله معها. إنّ طموح التوغّل الإسرائيلي في أفريقيا عبر البوابة المغربيّة يصطدم بالعقبة الجزائرية القادرة على إغلاق كل المنافذ وتعطيل التحرك نحو تنفيذ مخططات دخيلة عابرة للحدود. وكانت التوترات قد تصاعدت بين الرباط والجزائر عقب إعلان المغرب مؤخراً دعمه لحق تقرير مصير شعب القبائل في الجزائر، لكن أزمة برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" سكبت مزيداً من الوقود على النيران المشتعلة.
وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد نشرت نتائج تحقيق أجرته 17 مؤسسة إعلامية، أفاد بأن برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسّس انتشر على نطاق واسع حول العالم، ويتم استخدامه لأغراض التجسس. وزعم التحقيق أن حكومات 10 بلدان على الأقل من بين عملاء شركة "NSO"، من بينها المغرب والسعودية والإمارات.
تنتجُ البرنامجَ الشركة الإسرائيلية التي تأسَّست في العام 2010، ويعمل فيها نحو 500 موظف، وهي تتّخذ من "تل أبيب" مقراً لها. أما الهدف من وراء ذلك، فهو الحصول على معلومات حول الجيش والأجهزة الأمنية بشكل خاص، في محاولة لاختراق أهم مؤسَّسة بقيت صامدة في الجزائر خلال العقدين الماضيين، في زمن أصبحت للمعلومة قيمة استراتيجية، ما دفع الخارجية الجزائرية إلى إعلان قطع العلاقات رسمياً واستمرار إغلاق الحدود مع المغرب.
التهديدات الإسرائيلية للجزائر والتلويح بعسكرة النزاع مع المغرب
تعتزم الجزائر تشييد قاعدة عسكرية استراتيجية على حدودها مع المغرب بعد تشييد الرباط قاعدة على بعد 38 كيلومتراً من الأراضي الجزائرية. قرار السلطات في الجزائر يأتي وفق مبدأ "المعاملة بالمثل"، وبهدف حماية حدودها وأمنها القومي من المخاطر والتهديدات المباشرة. وبناءً على تقارير معلنة، فإن القاعدة العسكرية المغربية يديرها خبراء عسكريون وأمنيون أجانب بالشراكة مع القوات المغربية.
وأوضحت التقديرات الاستخباراتية الجزائرية أنه قد يكون لـ"إسرائيل" يد في هذا التحرك المغربي، وهو الأمر الَّذي يشكل تهديداً جدياً للأمن القومي الجزائري، نظراً إلى طبيعة العلاقات المركبة بين القصر في المغرب و"إسرائيل"، تزامناً مع هبوط وزير الخارجية الإسرائيلي في الرباط، والذي لم يكن محض صدفة، بل هو توقيت مقصود ومخطط له مسبقاً، وإعلانه موقف الكيان دعم المغرب في قضية الصحراء الغربية (البولساريو) والتأكيد على الدعم الأميركي أيضاً.
وقد أتى تصريح أحد أعضاء الكنيست في السياق نفسه، إذ قال: "لو تجرأ تبون على المغرب، فسوف يصبح حسابه مع إسرائيل.. وإسرائيل لا تمزح".
الجزائر والمغرب وصراع المحاور
المغرب جزء من حلف عربي إسرائيلي تبلور بشكل واضح في العام 2006، وتقوده "تل أبيب"، ويستهدف إيران ومحور المقاومة على وجه الخصوص. وليس غريباً أن نقرأ في وثائق "ويكيليكس" برقية مؤرّخة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، توثق الحديث الذي جرى بين الأمين العام لوزارة الخارجية المغربية عمر هلال والسفير الأميركي لدى الرباط، إذ يقول المسؤول المغربي للسفير الأميركي: "إن امتلاك إيران السلاح النووي سيكون كارثة على المنطقة، وخصوصاً المغرب، لأنَّ ذلك سيؤدي إلى سباق تسلّح في المنطقة، وسيؤدي إلى تسريع تنفيذ البرنامج النووي العسكري الجزائري، رغم أنه يعتبر برنامجاً في بداياته. إذا نجح الإيرانيون في امتلاك القنبلة النووية خلال 10 سنوات، فإن دولاً عربية ستتبعهم، وسيفعل الجزائريون ذلك أيضاً".
ولنا أن نتخيّل ما الَّذي يريده النظام المغربي من هذا الاتهام الثقيل للجزائر ومحاولة إقناع أميركا المهووسة بالبرنامج النووي الإيراني بسعي الجزائر لامتلاك القنبلة. ولا نحتاج إلى ذكاء خارق لإيجاد نقاط تقاطع بين كلام المسؤول المغربي والموقف الإسرائيلي والسعودي والإماراتي من إيران، فضلاً عن مساعي ربط البوليساريو بالنشاط الإرهابي والزعم بمساعدة "حزب الله" لها. لم يتأخّر المغرب أبداً في لعب كل الأوراق ضد الجزائر منذ الاستقلال، ولا يمكن قراءة الأمر عبر نظرية المؤامرة، فهذا السلوك يجد تفسيره في الصراع الدائر في المنطقة ككل.
محاولة اختراق النظام السّياسيّ الجزائري
على الرغم من مشروعية الحراك الشعبي في التغيير السياسيّ المصاحب للمطالب الاجتماعية، فإنَّ تخلّله الدسائس يهدف إلى تفريغ الحراك من مضمونه ونقل سياقه إلى فعل تآمري، فتحول الشعارات من "جيش – شعب خاوة – خاوة" إلى "مدنية ما شي عسكرية" دليل على خبث وخطورة ما يحاك ضد الجزائر من الجهات الأجنبية وعملائها الخونة الذين يخططون لتمرير ما يعرف بالمرحلة الانتقالية التي ستفتح باب الخراب والدمار الذي تعانيه دول شقيقة، وهذا خير دليل على حقيقة السموم المغلفة بالشعارات البراقة والزائفة، على غرار "الفوضى الخلاقة" و"الثورات الملونة".
لا شكّ في أنَّ التحديات تتراكم في الجزائر داخلياً وخارجاً، والرهان هنا على الوعي الشعبي للتصدي لحزمة المؤامرات التي تحاصر الجزائر، عبر الالتحام بالجيش، سليل جيش التحرير الوطني الذي انبثق من رحم الشعب، اللذين انصهرت العلاقة الاستثنائية بينهما بشكل فشلت معه كل المحاولات الخبيثة للمساس بهذا التلاحم والانسجام والتقدير والوفاء.
يبدو أنَّ مليوناً ونصف المليون شهيد ليس ثمناً كافياً لحرية الجزائر واستقلالها والدفاع عن وحدة أمتها العربية وتحريرها.