الانسحاب الأميركي من أفغانستان: الأوراق في يد بوتين؟

تبحث الولايات المتحدة في إمكان إبقاء قواتها في آسيا الوسطى لاحتواء الروس والصينيين، لكن دونَ هذا الهدف صعوبات عدة.

  • يتعامل الروس بحذر مع التطورات الناتجة من الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
    يتعامل الروس بحذر مع التطورات الناتجة من الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

أعلن البيت الأبيض أن القوات الأميركية سوف تغادر أفغانستان بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، أي في 31 آب/أغسطس من العام الحالي، بعد أن كان من المفترض أن يعلن رحيل آخر جندي أميركي عن أفغانستان بحلول 11 أيلول/سبتمبر، منهية 20 سنة من التدخل العسكري الأميركي في هذا البلد.

وفي اعتراف صريح، أعلنت المتحدثة باسم الأبيض الأبيض أن الأميركيين لن يعلنوا الانتصار، لأنهم "لم يربحوا الحرب في أفغانستان" بينما خفف بايدن وطأة الانتقادات، التي اعتبرت خروجه من أفغانستان شبيهاً بالخروج من فيتنام، معتبراً أن الولايات المتحدة دفعت تريليون دولار على تسليح القوى العسكرية الأفغانية وتدريبها. لقد قُتل 2448 أميركياً، وجرح 20,722، من أجل تحقيق هدفين: قتل أسامة بن لادن، ومنع تنظيم "القاعدة" من استخدام هذا البلد للتأثير في الأمن القومي الأميركي.

وبسبب الانسحاب المتسرّع والفجائي لقوات حلف "الناتو"، استطاعت "طالبان" أن تكتسح عدداً من المناطق الأفغانية. واللافت هو ما تقوم به "طالبان" من تحسين علاقاتها بدول الجوار، والتأكيد أن ليس من أهدافها المسّ بالاستقرار الإقليمي. وقامت، لهذا الغرض، بالتواصل مع كل من روسيا والصين وإيران، التي استضافت موتمراً للحوار الأفغاني، دعت فيه طرفي الحوار (الحكومة الأفغانية و"طالبان") إلى السلام وتقاسم السلطة. ورحّب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بما سمّاه "الهزيمة الأميركية" في أفغانستان.

بالنسبة إلى الصين:

اجتاحت "طالبان" مقاطعة بدخشان الشمالية الشرقية، ووصلت إلى الحدود الجبلية مع منطقة شينجيانغ الصينية. لطالما نظرت الصين إلى "طالبان" بعين الحذر والعداء، بعد أن دعمت "طالبان" الجماعات المسلّحة الإيغورية في شينجيانغ وتعاونت معها. أمّا اليوم، فقامت "طالبان" بإرسال رسائل واضحة إلى بكين، عبر باكستان، أظهرت فيها حسن النية، وعبّرت عن أملها في أن تؤدّي الصين دوراً أكبر في أفغانستان بعد رحيل الأميركيين. وبما أن الصين لا يعنيها كثيراً ملف حقوق الإنسان، ولا تتدخل في كيفية حكم البلاد التي تتعامل معها استثمارياً، فمن المحتمل أن تكون العلاقات بين "طالبان" والصين مرشَّحة للتعاون في المستقبل. تحتاج "طالبان" الى الاستثمارات الصينية لتعزيز الاقتصاد، الأمر الذي يسهّل لها إخضاع الأفغان وفرض الحكم الإسلامي، بينما التعاون مع الحكم الأفعاني المقبل، والذي ستسيطر عليه "طالبان"، سيعزّز النفوذ الصيني في المنطقة.

بالنسبة إلى روسيا:

لطالما خشي الروس التمدد الإسلامي في محيطهم الجغرافي، وتأثيره في الحركات الانفصالية في الاتحاد الروسي، فشجعوا إطاحة "طالبان" في السابق. اليوم، يتعامل الروس بحذر مع التطورات الناتجة من الانسحاب الأميركي، وعبّروا عن استعدادهم لتعزيز نفوذهم العسكري في طاجيكستان، تنفيذاً لمعاهدة الأمن الجماعي CSTO، والتي تضمّ روسيا وخمس دول سوفياتية سابقة أخرى، وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو مستعدة لاستخدام قاعدتها العسكرية في طاجيكستان، إحدى أكبر قواعدها العسكرية في الخارج، من أجل ضمان أمن حلفائها في المنطقة.

في المقابل، زار وفد من "طالبان" روسيا، مبدياً رغبة في التعاون مع موسكو، ومؤكداً عدم الرغبة في المسّ بالاستقرار في المنطقة.

بالنسبة إلى الأميركيين:

تبقى منطقة وسط آسيا ذات نفوذ استراتيجي مهم بالنسبة إلى الأميركيين، ومهمة للتأثير في طريق الحرير الجديد الذي تنفّذه الصين براً، ويربط الصين بأوروبا والعالم. لذا، يبحث الأميركيون في إمكان إنشاء قواعد عسكرية في الدول المجاورة في آسيا الوسطى، بديلة من تلك التي أخلوها في أفغانستان.

لا تبدو الخيارات الأميركية كبيرة في هذا المجال، فلقد قام المبعوث الأميركي الى أفغانستان، زلماي خليل زاده، بزيارة منطقة وسط آسيا في أيار/مايو الماضي، للبحث في إمكان إنشاء قواعد عسكرية في الدول المجاورة لأفغانستان. 

في هذا الإطار، تقوم تلك الدول بموازنة دقيقة لمصالحها، بين كل من روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية، آخذةً في عين الاعتبار المصالح الحيوية والاستثمارية والحدود المشتركة مع كل من روسيا والصين، وتهديد "طالبان" بالانتقام من الدول التي تستضيف القوات الأميركية المنسحبة، بالإضافة الى الشكوك في التزام الولايات المتحدة أمنَ حلفائها، وخصوصاً بعد تخليها المفاجئ عن أفغانستان وترك المتعاملين مع قوات "الناتو" لمصيرهم.

وهكذا، تبحث الولايات المتحدة الأميركية في إمكان إبقاء قواتها في المنطقة لاحتواء الروس والصينيين. لكن دونَ هذا الهدف عدة صعوبات. وفي هذا الإطار، هناك سيناريوهات ثلاثة:

- أن تضغط روسيا والصين على الدول المجاورة لمنع الولايات المتحدة من تأسيس قاعدة عسكرية لها في منطقة آسيا الوسطى، وهذا سيُعتبر ضربة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وخطة احتواء الصين وروسيا، وتخلياً عن منطقة حيوية وأساسية في الصراع الجيوبوليتكي العالمي. 

- أن تستطيع الولايات المتحدة إقناع إحدى الدول المجاورة بالقبول بتأسيس قاعدة عسكرية، وبالتالي إدخال تلك الدولة في صراع محاور، ما سيسبب لها كثيراً من عدم الاستقرار الداخلي. ونتيجة الضغوط الروسية على تلك الدول، والتي يتقنها بوتين جيداً، تقوم تلك الدول بداية باستضافة القوات الأميركية، ثم تقوم في ما بعد بابتزاز الأميركيين، تحت وطأة المطالبة بالانسحاب، كما حدث مع قيرغستان في السابق (على سبيل المثال لا الحصر). وبالتالي، سيسبّب هذا الأمر قلقاً لإدارة بايدن، التي ستضطر إلى التعاون مع مجموعة من الحكّام الديكتاتوريين، الأمر الذي سيقوّض ادعاءات بايدن الأيديولوجية (الديمقراطية في مقابل الديكتاتورية).

- أن يتعاون الأميركيون مع بوتين، للسماح لإحدى الدول المجاورة لأفغانستان (طاجيكستان أو أوزبكستان) باستقبال قاعدة أميركية على أرضها، وهذا من الصعب على بوتين قبوله، إلاّ في حال قدّم الأميركيون إغراءات إلى روسيا بمكاسب في أماكن أخرى، ووعود بعدم استخدام تلك القواعد للمسّ بالأمن القومي الروسي. فهل يمكن للأميركيين دفع مثل هذا الثمن؟