دوافع مقتل نزار بنات وتداعياته
ما يؤكّد المعلومات الموثوقة من مصادر قيادية في "فتح" أنَّ المغدور نزار بنات اختُطف في منطقة غير خاضعة أمنياً للسلطة، ويمنع دخول الأجهزة الأمنية إليها إلّا بإذن وتنسيق مع الاحتلال.
تلقّى الشّعب الفلسطينيّ خبراً صادماً فجر الخميس 24 حزيران/يونيو، إذ أُعلِنت وفاة الناشط والمعارض السياسي نزار بنات، بعد أن اختطفه جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في الضفة الغربية.
عُرف نزار بنات بمواقفه الحادة ومعارضته القوية للسلطة وحركة "فتح" التي يتزعمها محمود عباس (أبو مازن)، وكان أحد أبرز المرشحين المعارضين للسّلطة ضمن قائمة "الحرية المستقلَّة" في الانتخابات البرلمانية التي تقرّرَ إجراؤها في أيار/مايو المنصرم، وأُلغيت بقرار من السيد أبو مازن، بسبب الانقسامات الداخلية لحركة "فتح"، وخشيتها من خسارة الانتخابات، والذريعة كانت رفض الاحتلال إجراء الانتخابات في شرقي القدس.
تعرَّض بنات لعدة محاولات اعتداء من أجهزة الأمن، بعضها إطلاق النّار مباشرة على منزله، واعتقاله مرات متعددة، وتعرّضه للتعذيب بسبب مواقفه السياسية. وقد أشارت نتائج تشريح جثمانه بشكل أوَّلي إلى أنه تعرّض للتعذيب الشديد، ما أدى إلى نزيف داخل الرئتين. وقد أظهرت صور الجثمان آثار اعتداء في مختلف أنحاء جسده .
آخر ما تحدَّث عنه بنات كان ظهوره في مقطع فيديو بثَّه عبر صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي، ووجَّه فيه انتقادات حادّة إلى الفساد المستشري في مؤسّسات السلطة وحركة "فتح"/ أبو مازن في الضفة الغربية، وآخرها ما عُرف بصفقة تبادل اللقاحات مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي تبيَّن أنها منتهية الصلاحية .
السؤال الأبرز في هذا المشهد المأساوي: لماذا تقدِم السلطة على اعتقال معارضيها وتعذيبهم بشكل عنيف يؤدي إلى وفاة بعضهم؟! علماً أن عشرات المعتقلين في سجن أريحا مضربون عن الطعام منذ عدة أيام، احتجاجاً على اعتقالهم من دون تهم منسوبة إليهم.
وما يثير الدّهشة أنَّ التفكير المنطقي والعقلاني يجب أن يدفع السلطة وحركة "فتح" إلى ترميم صورتها التي تشوهت وتراجعت بشكل ملحوظ، بسبب موقفها الهزيل أثناء معركة "سيف القدس" وبعدها، وبعد قرار أبو مازن إلغاء مسار الانتخابات بذرائع غير مقنعة.
يبدو أنَّ السّلطة وحركة "فتح" أرادت إسكات الأصوات المعارضة الَّتي أثارت الرأي العام ضدها في أكثر من مناسبة، وهي ترسل بما حدث مع بنات رسالة إرهاب لكلّ صوت يفكّر في معارضة السلطة، وبالتالي وأد أيّة حراك شعبيّ ضدها.
معركة "سيف القدس" أظهرت ضعف السلطة وتراجع مكانتها وسيطرتها وتحكّمها في ضبط الشارع الفلسطيني، وهي بهذا الاعتقال المميت، تريد إثبات أنَّها ما زالت قوية وقادرة على ردع المعارضين ومنعهم من تحريض الجماهير، وهي رسالة لـ"إسرائيل" في المقام الأول، التي اعتبرت أن تفاعل الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية مع معركة "سيف القدس"، وخروج العديد من المواجهات الشعبية في نقاط الاحتكاك مع الاحتلال، وارتفاع شعبية المقاومة وحركة "حماس" تحديداً، كلّها إشارات أرسلها الشاباك الصهيوني إلى رموز السلطة، وخصوصاً حسين الشيخ وماجد فرج. وهنا، أتحدث عن معلومات موثوقة من مصادر قيادية داخل حركة "فتح". وما يؤكّدها أنَّ المغدور نزار بنات اختُطف في منطقة غير خاضعة أمنياً للسلطة، ويمنع دخول الأجهزة الأمنية إليها إلّا بإذن وتنسيق مع الاحتلال.
السّلطة وحركة "فتح"/ أبو مازن والفريق المقرّب النافذ فيها (الشيخ وفرج) لديهم رغبة في معاقبة الرأي العام الفلسطيني وإحباطه ونزع الأمل داخله في تغيير نهج السلطة وسياساتها الأمنية والسياسية والداخلية، وذلك، كما يبدو، لأنَّ التغيير المنشود سيكون على حساب مصالحهم ونفوذهم، وسيشكل تهديداً لطموحهم بخلافة أبو مازن بعد غيابه، بسبب الأقدار أو لأيّ سبب آخر.
ما حدث مع نزار بنات هو شكل من أشكال الصراع على خلافة "فتح" والسلطة، ومحاولة إثبات الأطراف "الطامحة" أنها الأقوى والأكثر نفوذاً والأكثر قدرة على منع اشتعال انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، وهي رسالة تفهمها "إسرائيل" في الأساس، وستفهمها إدارة بايدن، التي ستغلب مصالح حليفتها "إسرائيل" على مبادئها الليبرالية والديمقراطية، كما تفهَّمت سابقاً قرار أبو مازن إلغاء الانتخابات، التي تقاطعت مع الرغبة الإسرائيلية، وتحديداً جهاز الشاباك، الذي قدّر أن فوز "حماس" سيؤدي إلى انتهاء مرحلة الاستقرار والتعاون الأمني الذي تمسَّكت به السلطة وحركة "فتح"/ أبو مازن في كل المحطات الصعبة (أحداث القدس، 4 حروب على قطاع غزة، استيطان وتهويد واعتداءات مستمرّة في الضفة...).
بدأت أصوات فلسطينية تشكك في أسباب وفاة معارضين معروفين للسلطة، كالدكتور عبدالستار قاسم، الذي أعلنت السلطة وفاته بفيروس كورونا قبل عدة أشهر. حادثة المرحوم نزار بنات سيكون لها انعكاسات على الحالة الفلسطينية عموماً، وعلى السلطة في الضفة الغربية خصوصاً؛ فهي ستعمّق الشرخ بينها وبين الشعب الفلسطيني، وستتراجع شعبية حركة "فتح"، وستؤدي إلى تدهور في شعبية أبو مازن، وانهيار في ثقة المواطن الفلسطيني بالأجهزة الأمنية.
السيناريو الأخطر هو انزلاق الحالة الفلسطينية إلى مربع الفوضى والاقتتال، وخصوصاً بين المتصارعين على خلافة أبو مازن، في ظلّ امتلاك كلّ فريق لمريدين ومسلَّحين.
السيناريو المأمول هو أن تتغلَّب القيادات والكوادر الوطنيّة داخل حركة "فتح" على حالة التّيه التي أوصلتها إليها سياسات التفرّد والإقصاء والاستبداد والاستهتار بتوجّهات الشعب الفلسطيني وطموحاته. الأيام والأشهر المقبلة ستكشف عن طبيعة وشكل التداعيات على السلطة وحركة "فتح"، لكن ما هو مؤكّد أنَّ ما قبل مقتل بنات ليس كما بعده.