الانتخابات الرئاسيّة في إيران على وقع الاتفاق النّوويّ

مسائل عديدة تحددها الأيام المقبلة، منها عملية الإقبال الشعبي على الانتخابات، والمفاوضات الجارية حول الاتفاق النووي، وتأثير بعض النتائج في الواقع الاقتصادي الإيراني.

  • يتبنّى المسؤولون الغربيون وجهتي نظر متباينتين حول مدى أهمية نتائج السّباق الرئاسي بالنّسبة إلى المحادثات النوويّة.
    يتبنّى المسؤولون الغربيون وجهتي نظر متباينتين حول مدى أهمية نتائج السّباق الرئاسي بالنّسبة إلى المحادثات النوويّة.

سيبدأ موسم الانتخابات الرئاسية في إيران بشكل جدي في الأسابيع المقبلة، أي في شهر حزيران/يونيو، لكن الرئيس حسن روحاني الذي تفاوضت إدارته على الاتفاق النووي في العام 2015 لا يستطيع خوض الانتخابات الرئاسية، بعد أن قضى فترة ولايتين مسموح بهما قانوناً. 

يتبنّى المسؤولون الغربيون وجهتي نظر متباينتين حول مدى أهمية نتائج السّباق الرئاسي بالنّسبة إلى المحادثات النوويّة. تفترض وجهة النظر الأولى أنّ عملية صنع القرار في إيران تقع في نهاية المطاف على عاتق المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، لا السلطة التنفيذية. لذلك، لن ينعكس التغيير في قيادتها المنتخبة على حسابات طهران الاستراتيجية، ولا ينبغي النظر إلى الانتخابات بوصفها موعداً نهائياً صارماً لتحقيق انفراج دبلوماسي.

أما الرأي الآخر، فهو يعتقد أن من يجلس إلى الطاولة في المفاوضات المعقّدة مهم، على الرغم من أن المرشد الأعلى والدائرة المحيطة به يوفران درجة من الاستمرارية في النظام الإيراني. لذلك، من الأفضل الشروع في العملية الدبلوماسية وإعطاؤها زخماً، مع استمرار روحاني وفريقه في العمل، بدلاً من البدء من الصفر مع خلَف من معسكر أكثر تحفظاً أو حتى أصولي. الحجّتان معقولتان، وليس ضرورياً أن تكونا متناقضتين. قد يكون من الأسهل إبرام اتفاق بشأن الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة مع إدارة روحاني، ولكن الفشل في القيام بذلك لن يغلق الباب بالضرورة أمام خليفته الذي يسعى إلى اتفاق مماثل.

ستصبح ملامح المفاوضات النووية واضحة عبر فكرة "الامتثال مقابل الامتثال"، بشروط خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي) التي تم الاتفاق عليها مع القوى العالمية الأخرى في العام 2015. يعني ذلك أنَّ على الجانب الأميركي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية تدريجياً. أما من جانب إيران، فسوف يشمل الأمر خفض أنشطة تخصيب اليورانيوم والتخلّص من المخزون الجديد.

فريق بايدن مستعدّ لرفع العقوبات التي تشمل الاتفاق النووي، وإبقاء تلك التي يصنّفها ضمن الإرهاب أو حقوق الإنسان، وهو ما سيصعب الأمور بالنسبة إلى إيران. العودة إلى الوراء تبدو شبه مستحيلة في ما يخصّ مسألتين؛ الأولى تتمثل في إقناع معارضي سياسة بايدن، وهم النقاد المحليون والإقليميون الذين يعتبرون أنَّ الاتفاق النووي غير قابل للإصلاح، وأن على بايدن الذهاب إلى اتفاق جديد، في الوقت الذي يراهن على تنازلات متبادلة بينه وبين إيران.

أما المسألة الأخرى، فهي عدم إمكانية ضبط عملية اكتساب المعرفة والتقدم التكنولوجي الذي توصَّلت إليه طهران، بعد أن خرجت الولايات المتحدة في عهد ترامب، في 8 أيار/مايو 2018، من خطّة العمل الشّاملة المشتركة من جانب واحد، لمصلحة استراتيجية "الضغوط القصوى" المحددة، من خلال نشر العقوبات الأحاديّة ومجموعة واسعة من المطالب، وسعت إلى تقييد النشاط النووي الإيراني بشكل أكبر، ووقف تطوير الصواريخ الباليستية، واحتواء نفوذ إيران في المنطقة، وهو ما كانت نتائجه فاشلة في كلّ المقاييس.

ساهمت السياسة التي اتبعها ترامب في تعزيز موقف القوى المتشددة في إيران التي عزَّزت بدورها نفوذها، وخصوصاً بعد اغتيال الفريق قاسم سليماني، القائد السابق لـ"قوة القدس"، الذراع الضاربة للحرس الثوري الإيراني، واغتيال "إسرائيل" العالم النووي الكبير محسن فخري زادة. تحقيق ما يسعى إليه وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ليس عمليّة سهلة عبر "اتفاق أقوى وأطول"، في ظل عدم الثقة التي تسببت الإدارة السابقة في تعميقها.

 

آليَّة صناعة السياسة الخارجيّة 

في هذا التّوقيت الحسّاس، أتى تسريب مقتطفات من مقابلة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر محطّة إيرانية معارضة تبثّ من لندن، انتقد فيها دور القائد العسكري الراحل الفريق سليماني، وتطرّق فيها إلى خطوط الانقسام والانسجام في صفوف القيادة الإيرانيّة. 

لم يتأخَّر ردّ المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، إذ انتقد وزير الخارجية، ولم يخاطبه مباشرة، وقال إنَّ الولايات المتحدة مستاءة منذ سنوات من نفوذ سليماني و"قوة القدس"، و"لا ينبغي قول أيّ شيء يؤكّد تصريحاتها"، وأوضح أنَّ السياسة الخارجيّة لأي بلد تحدّدها عوامل كثيرة، وإنكار جانب واحد "خطأ كبير"، في رسالةٍ واضحةٍ إلى من يريد معرفة عمل السياسة الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 

تعامل السيد خامنئي مع تصريحات ظريف كأنَّها غافلة عن وقائع يُفترض أنه ملمّ بها. شرح أهمية "قوة القدس" في السياسة الخارجية، وتأثيره في دعم الدبلوماسية الضعيفة في غرب آسيا، وكيفية "تمهيده الطريق لدبلوماسية قوية للجمهورية الإسلامية"، وحدَّد ماهية دور وزارة الخارجية وكيفية "مشاركتها في تحديد السياسة الخارجية"، إلا أنه لفت إلى أنها "ليست صانع القرار، بل المنفّذ".

أوضح المرشد آلية صنع القرار، وهي رسالة مفيدة للمحلّلين الغربيين في رؤيتهم للانتخابات وتغيير الرئيس، وأهمية المجلس الأعلى للأمن القومي في تحديد السياسة الخارجية، وماهية أدوار أعضائه كممثلين عن القضاء والجيش، ومشاركة مجلس الوزراء، وكيف كان روحاني جزءاً من هذه العملية قبل أن يصبح رئيساً، وكلاهما مسؤول أمامه، وكيفية مناقشة العديد من القرارات العليا في البلاد قبل عرضها عليه للحصول على الموافقة النهائية.

كان الكلام موجّهاً أيضاً إلى الأصوليين والمحافظين والمعتدلين بأن "مجلس الأمن القومي هو الذي يمنح وزير الخارجية القرارات التي يتم اتخاذها، ويعطيه مجالاً للمناورة، ويبرئه من اللوم في حال فشل بعض جوانب السياسة الخارجية".

هكذا، وضعت تعليقات خامنئي نهاية للقضيَّة، مع استمرار المفاوضات النووية. وكان المرشد قد دعمَ المفاوضين الإيرانيين في حكومة حسن روحاني التي قرّرت التفاوض، لكنه في الوقت نفسه، أكَّد ضرورة عدم إطالة الوقت والاستنزاف في المفاوضات، في حين أكّدت مجموعة العمل الخاصّة بالخطوات الإيرانية أن من السهل تنفيذ الخطوات المنوطة بها، فمنذ البداية، أعلنت طهران مراراً وتكراراً أن الخطوات التي اتخذتها لتخفيف التزامها ببنود الاتفاق النووي قابلة كلها للتراجع. أما الصّعوبة، فإنَّها تكمن لدى مجموعة العمل الخاصة بالقائمة الأميركية لرفع العقوبات، وهي الأكثر تعقيداً، بسبب الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب السابقة.

 

محددات المرحلة المقبلة 

تأتي الانتخابات الرئاسيَّة في دورتها الثالثة عشرة محكومة بمحدّدات داخلية وخارجية تؤدي دوراً في بناء التحالفات، منها الرغبة في بناء جيل جديد من القيادة يخلف القائد خامنئي ويحمي توجّهه الفكريّ والإيديولوجيّ بعد نكسة اغتيال سليماني، وتثمير إنجازات الحرس الثوري في السياسة الداخلية الإيرانية، والعمل على إعداد صفّ جديد من القيادات قادر على حلّ المعضلات والمشكلات... وتوحيد توجهات مؤسَّسات الحكم. 

قد تضطرّ العلاقة مع واشنطن أنصار التيار الأصولي، المرشّح لقيادة المرحلة المقبلة، إلى العودة إلى سياسة المرونة في الدبلوماسية التي لا تأتي إلا بعد تعزيز نقاط القوة قبل التفاوض المطلوب، وذلك ليس خياراً سهلاً بالنسبة إليهم. الرئيس القادم سوف يسعى إلى بناء إطار للتفاوض، بعد أن وضع السيد خامنئي شروطاً لعودة إيران إلى الالتزام بالاتفاق النووي واختبار نيات واشنطن.

هل سيكون لظريف دور، على الرغم من أنه أعلن عدم ترشّحه إلى أيّ منصب، وعلى الرغم من النقد الذي يوجهه إليه الأصوليون؟ مسائل عديدة تحددها الأيام المقبلة، منها عملية الإقبال الشعبي على الانتخابات، والمفاوضات الجارية حول الاتفاق النووي، وتأثير بعض النتائج في الواقع الاقتصادي الإيراني.