لن تقع الحرب.. وكوهين يكذب لهذه الأسباب
هل ثمة فجوة بين الرؤيتين الأميركية والإسرائيلية تجاه إيران؟ هذا التساؤل مشروع ومنطقي حين يعلو صراخ يوسي كوهين محذراً من الخطر الإيراني.
خلال أقلّ من شهر، أطلق المسؤولون الإسرائيليون 4 تهديدات بشنّ الحرب على إيران، في حال لم تساعد المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة الأميركية في فيينا على تقييد قوتها في المنطقة. وبينما لزم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الصمت - وذلك ليس من عادته - برز يوسي كوهين، وزير الاستخبارات، كمتزعّم لمروحة الضغوطات والحرب النفسية للتأثير في الموقف الأميركي بهذا الشّأن.
وفي أحدث تهديداته، توعَّد كوهين بأن "إسرائيل ستتصرّف بمفردها" في حال أبرمت واشنطن اتفاقاً مع طهران لا يحدّ من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية ونفوذها في المنطقة. تتمنّى "إسرائيل" أن لا يحصل اتفاق، وأن تبقى إيران تحت طائلة العقوبات الصارمة. وما لم يتحقّق ذلك، فإنّها تريد اتفاق جديداً أو آخر معدلاً يشمل البرنامج الصاروخي الإيراني ونفوذ طهران الإقليمي.
وخلال هذا الأسبوع، جرى لقاء بين يوسي كوهين والرئيس الأميركي جو بايدن. وقد تسرّب إلى الإعلام أن بايدن أبلغ ضيفه بأن المفاوضات ستطول، ما يعني ضمناً أنَّ على الإسرائيليين التأقلم مع الوضع الجديد، وأن الأمور ذاهبة في النهاية إلى تسوية مع طهران، مع طمأنةٍ من إدارة البيت الأبيض منحت "إسرائيل" مزيداً من التسهيلات التكنولوجية في التصدي للهجمات الصاروخية.
ومع ارتفاع حدّة التهديدات وحمى التخويف والمخاوف لدى الوفد الإسرائيلي المتجول في أروقة البيت الأبيض، لاحظ المراقبون أن أروقة فندق "كراند هيل" في فيينا، حيث تجري المفاوضات، كانت تنضح بالتفاؤل والإعلان عن تسجيل المزيد من التقدم، بما في ذلك تقديم الوفد الأميركي المزيد من التنازلات للجانب الإيراني.
صراخ كوهين
هل ثمة فجوة بين الرؤيتين الأميركية والإسرائيلية تجاه إيران؟ هذا التساؤل مشروع ومنطقي حين يعلو صراخ يوسي كوهين محذراً من الخطر الإيراني، فيما يتملّق روبرت مالي، رئيس الوفد الأميركي، زميله عباس عراقتشي من خلف الحاجز الزجاجي في فيينا.
لا نقول إن "إسرائيل" لا تعلم! نعم، إنها تعلم جيداً الحقائق التي توصلت إليها مطابخ القرار الاستراتيجي الأميركي حيال واقعية وجود قوى منيعة، مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران وروسيا الاتحادية، وإنها قوى فرضت نفوذها وترسخت، وأثبتت اعتمادها على ركائز متينة فشلت أمامها كل وسائل القوة الأميركية الاقتصادية والسياسية والأمنية.
الحقيقة التي تبلورت في السنوات الخمس عشرة الأخيرة تتمثل في أن إيران قوة عالمية في هذا الإقليم، وأن واشنطن تتعامل معها كندٍّ محترف وكقوة طبيعية نمت وكبرت على امتداد الأحداث والمتغيرات طيلة أكثر من 4 عقود.
يدرك الإسرائيليون أنَّ النهج الأميركي في التعاطي مع إيران بدأ يطفو على السطح في ظل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، مروراً بإدارة دونالد ترامب، على الرغم من أنها فرضت أكثر من 400 قانون وإجراء عقابي ضد مؤسسات وشخصيات إيرانية.
الفجوة بين الموقفين الإسرائيليّ والأميركيّ حيال إيران
في الحقيقة، الفجوة تكمن في نمط الفهم والإدراك بين جيلين. في "إسرائيل"، ثمة جيل جديد من الساسة اعتاد التلقائية والنمطية الجاهزة التي تبلورت في الثمانينيات والتسعينيات، حين كان الإسرائيلي يشتكي لدى الشرطي الأميركي، والأخير يرفع الهراوة ضد الحاكم العربي أو المسؤول الأوروبي لتلبية حاجاته. إنّ الجيل الأميركي الجديد تقبّل واقع أن الولايات المتحدة نفسها لم تعد قادرة على رفع الهراوة في وجه الزعيم الكوري الشمالي، ولا تجرؤ على التلويح بها أمام إيران، فضلاً عن دول كبيرة تشقّ طريقها نحو الزعامة العالمية.
أيضاً، يفهم الجيل الأميركي تماماً أن إيران ليست قوية بمفاعلاتها النووية وقدراتها الصاروخية، ولكنها قوية بفعل عوامل ذاتية وحقائق جيوسياسية وعقائدية منحتها قوة الثبات والرسوخ والصمود أمام الحروب والمؤامرات. إيران التي لم تكن تمتلك قذيفة هاون، ولكنّها خرجت رغم ذاك من حرب استمرّت 8 سنوات، هي ذاتها إيران القوية اليوم التي تمتلك مئات الأنواع من الصواريخ.
إنّ الجيل الجديد في أروقة السياسة في الولايات المتحدة امتلك حرفية التعامل السياسي على أساس الواقعية، وبناءً على تراكم فهم المتغيّرات التي تحصل في العالم، وفي غرب آسيا تحديداً. وعلى هذا الأساس، اختار الرئيس بايدن طاقمه للسياسة الخارجية من الأكاديميين الشباب الذين درسوا أنَّ الواقعية تفرض نفسها على أساس حقائق القوّة والتأثير.. التأثير بمدى قربه وبعده عن مستقبل المصالح الأميركية العليا.
لم يعد الجيل الأميركي الجديد يرى أن المصالح الأميركية في المشرق العربي وغرب آسيا تدور في محور القوة الإسرائيلية فحسب، وهو يعتقد أنّ ضبط حركة القادة الإسرائيليين وتصرفاتهم بات اليوم ضرورياً، لأن مصطلح "الحرب الإسرائيليّة الإيرانيّة" لم يعد مطروحاً، سواء في الدراسات أو في الخيارات.
هذه الحرب، إن وقعت، فستعني تضاعف خسائر الاقتصاد الأميركي الموبوء بخسائر وباء كورونا إلى 3 أضعاف. ومعه أيضاً، ستتضاعف خسائر الاقتصاد العالمي إلى الحد الذي يقترب كثيراً من تداول مصطلح "الحرب الأميركية الصينية".