هل تنهار السّلطة الفلسطينيّة وتندلع الحروب بسبب انتخابات القدس؟

لا يبدو أنَّ الأمور ذاهبة إلى انتخابات أو إلى تأجيل، بل تبدو ذاهبة إلى الكراهية والتّحريض وسفك الدماء. كما أنَّ منع الاحتلال الانتخابات في القدس سيدفع الأمور إلى الهاوية.

  • هل تنهار السّلطة الفلسطينيّة وتندلع الحروب بسبب انتخابات القدس؟
    رفضت "إسرائيل" إجراء الانتخابات في القدس

ليس ثمة أكثر تعقيداً من الوضع الراهن في القدس. العصابات الصّهيونية المسلّحة تسيطر على منازل العرب بالقوة، مثلما حدث في العام 1947، وعواصم التطبيع تبارك للصهاينة بـ"عيد الاستقلال" (يوم اغتصاب فلسطين وتهجير الملايين وذبح عشرات الآلاف من العرب)، وأمراء العرب يحصلون على رتبة خائن بسرعة قياسية، ويتآمرون على المسجد الأقصى، مسرى الرسول محمد، لبيعه للصهاينة، وتسريب أملاك الكنيسة في العاصمة لمنظمات عنصرية جارٍ بالتواطؤ مع شخصيات مشبوهة "ورجال قانون" تحميهم جهات وحكومات معروفة، في ظل تهالك السلطة الفلسطينية وحصارها مالياً وتجويع قطاع غزة، وهجمة استيطانية غير مسبوقة منذ مئة عام على بيت لحم ومدن الضفة الغربية، ومخطط ضم الأغوار وابتلاع منطقة نهر الأردن. والأخطر منع سكان العاصمة من المشاركة في انتخابات البرلمان، بعد حصر أعدادهم بنحو نصف مليون نسمة.

أبلغت "إسرائيل" الوزير حسين الشيخ رسمياً برفضها إجراء الانتخابات في القدس، ولكنَّ الرئيس عباس قرّر منح الوساطات الدولية والعالم كله أسبوعاً إضافياً (الصين وروسيا وأميركا وكل العرب)، ويبدو أنّ الردود لن تتغير إيجابياً.

وتؤكد مصادر "الميادين" أن رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية التقى مؤخراً قناصل بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وسفير الاتحاد الأوروبي، وطلب منهم رسمياً التدخل لتسهيل إجراء الانتخابات في القدس، وكانت ردودها "فاترة"، مشترطةً موافقة الاحتلال على استضافة صناديق الاقتراع.

الدولة الوحيدة التي وافقت على التدخّل كانت هولندا، ولكنها اشترطت موافقة الاحتلال على كلّ شيء. الدول العربية حصرت نفسها في أداء دور الناصح الأمني، واكتفت بتسريب تقارير أمنية غير دقيقة عن خطورة إجراء الانتخابات الفلسطينية، وأعطت نفسها الحقّ في تحذير الرئيس عباس من فوز محتمل لحركة "حماس"! والأدهى من ذلك أنَّ تقارير المخابرات العربية لاقت استحساناً كبيراً من المخابرات الإسرائيلية، التي اتكأت عليها لتفتيت الموقف الفلسطيني من الانتخابات ووجوب إجرائها.

القيادة الفلسطينية، وبعد اتصال رئيس "حماس" إسماعيل هنيّة برئيس "فتح" محمود عباس، ما تزال متمسكة بكل قوة بخيار إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 22 أيار/مايو القادم، ولكن:

- لا يبدو أنَّ الاحتلال يتعامل بجدية مع الحقوق الفلسطينية.

- لا يبدو أنّ الكتل أو الفصائل الفلسطينية ستتنازل عن حق إجراء الانتخابات في القدس.

- لا يبدو أنَّ للدول العربية أي قيمة أمام حكّام تل أبيب.

- لا يبدو أنَّ الاتحاد الأوروبي سيدخل معركة مع الاحتلال من أجل القدس، وهو منشغل بمفاوضات أميركا وإيران بكامل جهده.

- لا يبدو أنَّ إدارة بايدن تعطي القضية الفلسطينية الأهمية التي منحها إياها جميع رؤساء أميركا السابقين. وحتى الآن، لم يرفع بايدن سماعة الهاتف ويتّصل بالرئيس عباس.

- لا يبدو أنَّ الأمور ذاهبة إلى انتخابات أو إلى تأجيل، بل تبدو ذاهبة إلى الكراهية والتّحريض وسفك الدماء. كما أنَّ منع الاحتلال الانتخابات في القدس سيدفع الأمور إلى الهاوية (ليس إلى حافة الحاوية)، وتبدو المواجهة قادمة بشكل لا يمكن منعه.

- التقديرات الأمنية الفلسطينية مخيفة، لكنها ممنوعة من النشر، ويتمّ حجبها عن الجمهور (الغضب الشعبي - البطالة - الفقر - منع الحريات - منع حرية الحركة - تزايد نسبة تأييد العودة إلى الكفاح المسلّح والصواريخ)، كما أن الصهاينة بالغوا في وقاحتهم، وهم لا يفهمون إلا لغة الدم والقوة.

اطّلع الرئيس الفلسطيني على كلّ التقارير، وهو يعرف أكثر مما يحتاج إليه، ولكنه أجّل الأمر أسبوعاً آخر لاتخاذ قرارات نهائية، ويحاول وسطاء عرب وعجم إقناعه بعدم اتخاذ قرارات عنيدة وغاضبة، وبتأجيل الانتخابات البرلمانية حتى شهر آب/أغسطس، وعدم المسارعة إلى إجراء انتخابات رئاسية.

- في 27 نيسان/أيار الجاري، سيعود وفد "فتح" من قطاع غزة. وفي 28 من الشهر نفسه، سيعود وزير الخارجية رياض المالكي ووفود سياسية وأمنية تم إيفادها إلى أميركا والغرب. بعدها بيوم، سيُعقد اجتماع جديد للقيادة الفلسطينية.

بعدها، ليس شرطاً أن يكون ردّ الفعل فورياً، ولكن سيتضح للجميع إذا ما كانت البلاد ذاهبة إلى صناديق الاقتراع أو صناديق الرصاص.