الأحزاب العربيّة وعنصريّة النظام السياسيّ الإسرائيليّ
لم يقدم أيّ معسكر صهيوني حتى الآن على التحالف مع القائمات العربية في الكنيست ، لأنَّ الأحزاب الصّهيونية تدرك أنّ ذلك سيفقدها مبرّر وجوده الإيديولوجي الصهيوني الهادف إلى بناء "دولة اليهو".
ذهبت "إسرائيل" إلى انتخابات كنيست رابعة خلال 818 يوماً، الأمر الذي يؤكّد وجود أزمة عميقة داخل النظام السياسي الإسرائيلي، ويؤدي إلى حالة عدم استقرار حكومي حادة في "دولة" الاحتلال، وهو ما تبرزه نتائج انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين، التي توضح أنَّ الطريق إلى تشكيل حكومة مستقرة ما زال مليئاً بالعقبات التي يمكن أن تؤدي إلى الذهاب إلى انتخابات خامسة جديدة.
بناء على هذا المشهد السياسي الإسرائيلي المضطرب، يصبح التساؤل عن سببه الجوهري أمراً مهماً في تحليل طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي والفلسفة التي بُني عليها.
يساعدنا تحليل نتائج انتخابات الكنيست السابقة في فهم طبيعة أزمة النظام السياسي في "إسرائيل"، المتمثلة في أنَّ ثمة فلسطينيين في الداخل المحتل، يعتبرون كتلة سكانية تمثل 20% من مجموع "السكان الكلي في دولة" الاحتلال، ويحملون الجنسية الإسرائيلية، ويمارسون حقهم في الترشح والانتخاب من أجل إضفاء الصورة الديمقراطية على "دولة" الاحتلال، ولكن "إسرائيل"، في حقيقة الأمر، تصنّفهم أعداء "الدولة" والحركة الصهيونية، ومشاركتهم السياسية، وانخراطهم في النظام السياسي الإسرائيلي، ومنحهم القدرة على التأثير الفاعل في ذلك النظام، يعتبر هدماً لكلِّ الأفكار والمبادئ الصهيونية، وفي مركزها أن "إسرائيل" وطن قومي لليهود، وما دونهم هم أنواع أخرى من السكان لا يملكون الشرعية القومية لممارسة التأثير السياسي في الحكومة، كما عبّر عن ذلك صراحة قانون القومية اليهوديّة.
أبرز الانقسام الداخليّ الإسرائيليّ الصّهيوني حقيقة النظام السياسيّ العنصريّ الأبرتهايدي، إذ لا يستطيع أي من المعسكرات الصهيونية تحقيق الحسم لمصلحته في صندوق الانتخابات، مع ازدياد حدة الانقسامات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أفقياً وعمودياً، وحتى شخصياً بين قادة الأحزاب السياسية الصهيونية، الأمر الذي جعل من الأحزاب العربية في الكنيست رمانة الميزان، في ظل الانقسام الصهيوني الكبير غير القابل للانتهاء في المدى المنظور، والمخرج الإجباري المتاح حالياً لتحقيق الاستقرار الحكومي في "دولة" الاحتلال.
رغم ذلك، لم يقدم أيّ معسكر صهيوني حتى الآن على التحالف مع القائمات العربية في الكنيست أو يعتمد على دعمها، لأنَّ الأحزاب الصّهيونية تدرك أنّ أيّ حزب أو تكتّل صهيونيّ سيستند إلى الصوت العربي في الكنيست أو يتحالف معه، سيفقد مبرّر وجوده الإيديولوجي الصهيوني الهادف إلى بناء "دولة اليهود"، وبالتالي يفقد شرعيته الصهيونيّة، كما اتّهم إيغال عامير رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين بأنّ حكومته غير شرعية، لاعتمادها على الصوت العربي، واغتاله للحفاظ على صهيونية "إسرائيل".
أدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معضلة النظام السياسي الإسرائيلي، وعرف أنه إذا ما أراد تشكيل حكومة مستقرة يجب تفتيت الصوت العربي الانتخابي، وبالتالي بُنيت خطته في الانتخابات الحالية على تشتيت القوة السياسية العربية في الكنيست لحساب الصوت اليهودي الصهيوني.
وقد حقَّق نجاحات مهمَّة في ذلك، إذ تراجعت قوة القائمات العربية في الكنيست 6 مقاعد على الأقل بعد انقسام القائمة العربية المشتركة وتشكيل منصور عباس القائمة العربية الموحدة التي أظهرت استعدادها للتحالف معه، وبالتالي ضرب عصفورين بحجر واحد. من جهة، ذهبت المقاعد الستة التي خسرها العرب إلى القائمة الصهيونية الدينية المتطرفة جداً، بزعامة بتسلال سيموتريتش، الأمر الذي زاد عدد مقاعد معسكر نتنياهو. ومن جهة أخرى، شكَّل نجاح منصور عباس ضمانة له بعدم حصول المعسكر المضاد له على الأغلبية في الكنيست لإقرار قانون يمنعه من تشكيل الحكومة بسبب لوائح الاتهام المقدمة ضده، والتي يحاكم عليها.
وضعت نتائج الانتخابات نتنياهو في مواجهة جوهر أزمة النظام السياسي الإسرائيلي، إذ حصل معسكره على 52 مقعداً. وفي حال انضمام نفتالي بينت إليه، سيصل معسكره إلى 59 مقعداً. وبذلك، لن يستطيع تشكيل حكومة من دون الاعتماد على دعم قائمة عباس، وبالتالي يوجد أمامه خياران لتشكيل حكومة؛ الأول أن يقنع أحد الأحزاب المعارضة له بالانضمام إلى معسكره للوصول إلى الرقم الذهبي المتمثل بـ61 مقعداً، ويشكّل بذلك الحكومة، ولكن هذا الخيار تواجهه الكثير من العقبات، أهمها عدم ثقة معارضي نتنياهو به، وخصوصاً بعد تجربة حكومة الوحدة الأخيرة بينه وبين حزب "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس.
ويتمثل الخيار الثاني في أن يقنع الأحزاب اليمينية داخل معسكره بأن تقبل بتشكيل حكومة مدعومة من قائمة منصور عباس من الخارج، ولكن هذا الخيار يصطدم بالإيديولوجية اليمينية المبنية على فلسفة "إسرائيل الكبرى دولة اليهود فقط"، الأمر الّذي يعني انقلاباً في النظرة الصهيونية السياسية تجاه مشاركة فلسطينيي الداخل في النظام السياسي بشكل جذري على حساب الفكر الصهيوني، وهو ما لا يمكن حدوثه نهائياً، في اعتقادنا، ولو ذهبت "إسرائيل" إلى انتخابات كل 3 أشهر. لذلك، إن عقدة "إسرائيل" السياسية بنيوية ذاتية، يستحيل على النظام السياسي الإسرائيلي العنصري الإحلالي التخلّص منها.