المشهد الانتخابيّ الإسرائيليّ أقلّ إثارةً وأكثر تعقيداً
انخفضت الإثارة في الانتخابات الإسرائيلية، بسبب انعدام وجود شخصيّة مركزيّة تقود تكتّلاً موحّداً ضمن قائمة انتخابية واحدة تنافس بنيامين نتنياهو.
يبدو المشهد السياسي لحملة انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين في "إسرائيل"، المقررة في 23 آذار/مارس الجاري، أقلّ إثارةً وأكثر تعقيداً من الحملات الثلاث السابقة التي تم إجراؤها خلال العامين الماضيين.
انخفضت الإثارة في هذه الانتخابات، بسبب انعدام وجود شخصيّة مركزيّة تقود تكتّلاً موحّداً ضمن قائمة انتخابية واحدة تنافس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتطرح نفسها بديلاً حقيقياً قادراً على الفوز والتفوّق عليه، كما حدث في الجولات السابقة، عندما قاد بيني غانتس قائمة "أزرق أبيض" التي توحَّد خلالها كلٌ من حزب "هناك مستقبل" بقيادة يائير لبيد وحزب "تيلم" بقيادة بوجي يعلون، إضافةً إلى حزب "أزرق أبيض" بقيادة غانتس وغابي أشكنازي.
ما يميّز حملة انتخابات الكنيست الحالية هو غياب تنافس ثنائية المعسكرات الإيديولوجية الثنائية القطبية، التي كانت تتمثل باليسار والوسط من جهة، ضد اليمين من جهة أخرى.
ورغم محاولات منافسي نتنياهو في الحملات الثلاث السابقة إبعاد تهمة اليسار عن أنفسهم، فإنَّه كان ينجح في إلصاق تهمة اليسارية بهم، من أجل إثارة مخاوف اليمين الإسرائيلي من فقدانه الحكم، وبالتالي ازدياد أصوات اليمين المشاركة في الانتخابات، والتي تصبّ بشكل أساسي في مصلحة نتنياهو و"الليكود"، لكن في الانتخابات الحالية، تنصبّ المنافسة في الأساس بين أحزاب اليمين ذاتها وشخصياتها القيادية، فحزب "الأمل الجديد" بقيادة جدعون ساعر، المنشقّ عن حزب "الليكود" والأكثر يمينيّة من نتنياهو، ينافس حزب "يمينا" الاستيطاني الديني بقيادة نفتالي بينت، وكلاهما ينافس نتنياهو وحزب "الليكود".
ورغم أنَّ حزب "هناك مستقبل" ينال أكثرية المقاعد في استطلاعات الرأي بعد حزب "الليكود"، فإن زعيمه لبيد يحافظ على عدم إثارة اليمين ومخاوفه تجاهه، من خلال استراتيجيّة النغمة الهادئة من جهة. ومن جهة أخرى، استعداده للدخول في ائتلاف حكومي تحت قيادة ساعر أو بينت، في حال حصولهما على مقاعد أكثر من حزبه.
يشكّل انقلاب نتنياهو من خطاب الكراهية واستخدام التحريض ضد العرب كمادة انتخابيَّة، إلى سياسة مغازلة الصوت العربي، من خلال تحالفات مع منصور عباس، رئيس الحركة الإسلامية - الجناح الجنوبي، الحدث الأكثر إثارة في الحملة الانتخابية الحالية، الأمر الذي أفشل توحيد الأحزاب العربية في قائمة مشتركة، كما كان يحصل في الجولات الانتخابية السابقة، إذ أدرك نتنياهو من خلال تجربة الحملات الانتخابية الثلاث السابقة أنَّ عقدته تتمثّل في عدم القدرة على تشكيل ائتلاف حكومي بقيادته، يحصل على 61 مقعداً لنيل ثقة الكنيست بحكومته، ففي الغالب ينقص معسكره مقعدان إلى ثلاثة لتشكيل الحكومة.
وبالتالي، إذا خسرت "القائمة العربية" مقعدين أو ثلاثة، عبر تشتيت الصوت العربي من خلال قائمة منصور عباس، والتي لن تصل في الغالب إلى نسبة الحسم، تذهب هذه المقاعد إلى الأحزاب الصهيونية، ما يمكّن نتنياهو من تشكيل ائتلاف معها. وفي حال تخطّي قائمة عباس منصور نسبة الحسم، فلن تدعم مقاعده أي ائتلاف ضد نتنياهو. ومن الممكن أن تشكّل دعماً صامتاً له في تصويت الثقة لحكومته.
يُعتبر غياب الجنرالات عن تلك الانتخابات من أبرز مميّزاتها، وخصوصاً بعد إعلان كلّ من بوجي يعلون وغابي أشكنازي اعتزالهما الحياة السياسية، وعدم موافقة رئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت على دخول المعترك السياسي الحزبي الإسرائيلي، إذ اعتادت الأحزاب الصهيونيّة البحث دوماً عن جنرالات يقودون قائماتها الانتخابية، لما يحظون به من احترام وشعبية لدى الناخب الإسرائيلي، الَّذي يعدّ في الأساس جندي احتياط في "الجيش" الإسرائيلي، لكن تجربة حزب "أبيض أزرق" أو حزب "الجنرالات"، كما يسميه البعض، أرخت ظلالها السلبية على نظرة الجمهور الإسرائيلي إلى قدرة الجنرالات على تشكيل خيار حقيقي وقوي يقود "إسرائيل"، بديلاً من نتنياهو. وتعد تجربة بيني غانتس الذي يصارع للحصول على نسبة الحسم أكبر شاهد على قدرة نتنياهو على التلاعب سياسياً بالجنرالات.
تشير قراءة المشهد الانتخابي الإسرائيلي لانتخابات الكنيست الحالية إلى أنَّ التعقيدات لن تنتهي بعد الانتهاء من فرز الأصوات وإعلان النتائج، بل من المؤكد أنها ستبدأ منها، وأن البحث عن تشكيل ائتلافي حكومي، سواء بقيادة نتنياهو أو أحد منافسيه، سيتطلَّب إدارة معركة سياسية متداخلة متعددة الأطراف، تحمل في طياتها خليطاً من التناقضات الحزبية والمصلحية والشخصية، مع احتمال فشل دائم الحضور، ما يجعل خيار الذهاب إلى انتخابات خامسة محتملاً.