كلام مصطفى علوش: ابتزاز مستقبليّ للسّعودية أو تغيير محور؟
حين يجاهر النائب اللبناني السابق مصطفى علوش بقدرة الأتراك على ملء الفراغ، فإنه يقول ذلك للسعودية، وليس للداخل اللبناني أو أي أحد آخر.
منذ بضعة أشهر، لم يعد في تيار "المستقبل" سوى قياديّ واحد يشغل الشاشات ويملأ الصحف والمواقع الإلكترونية بتصاريح، هو النائب السابق مصطفى علوش. في إحدى مقابلاته الأخيرة، تحدّث علوش عن "وجود قوى إقليمية تسعى إلى الفراغ" و"تنتظره على الأبواب"، مثل "تركيا التي تحاول إيجاد موطئ قدم لها".
ورداً على استفهام الصحافية، أكَّد أن "تركيا قد تكون الحلّ الوحيد إذا وصلت الأمور إلى حدِّ الفوضى المفتوحة". ولم يقف علوش هنا، إنّما أكّد لمحاوِرته أنَّها إذا قامت بزيارة استطلاعية للبيئة السنّية في الشمال، فستكتشف أن "50 في المئة يبدون إعجابهم برجب طيب إردوغان (الرئيس التركي)".
وفي السياق نفسه، كشف أن "السؤال الأساسي" خلال اجتماعات تيار "المستقبل" يتناول "مصير المناطق السنية" إذا عمّت الفوضى، و"من يستطيع دعمها"، وهو كلام خطير جداً، استتبعه افتراض علوش حاجتهم إلى الدعم المادي "إذا أنشأنا قوّة ذاتية".
كلام علوش استدرج الكثير من الردود السطحية جداً في اعتبارها أن الرجل يستقوي بالتركي، لكن ما قاله القياديّ في تيار "المستقبل" أعمق وأخطر، فهو يشير في الشكل إلى تفكير القوى السياسية في الأمن الذاتي. أما في المضمون، فإن كلامه يتراوح عملياً بين 3 خيارات:
1 - ابتزاز سياسيّ غير مسبوق من تيار "المستقبل" للسعودية؛ ففي البيئة السنية، تتصارع قوتان إقليميتان: الأولى صاعدة في توسعها المحدود، اسمها تركيا، والأخرى أوقف الحوثيون اندفاعتها، واسمها السعودية. وحين يجاهر علوش بقدرة الأتراك على ملء الفراغ، فإنه يقول ذلك للسعودية، وليس للداخل اللبناني أو أي أحد آخر.
ويعدّ الابتزاز أو التلويح بالخيارات الحريرية الأخرى مفهوماً في ظلّ الرفض السعودي المتواصل لاستقبال الحريري، وتحرك السفير السعودي في لبنان في جميع الاتجاهات باستثناء بيت الوسط، والتسريبات السعودية المدروسة عن وجوب اعتذار الحريري عن التكليف.
2 - انتقال سياسيّ أو انعطافة لدى تيار "المستقبل" من "محور الإمارات - السعودية" إلى محور "تركيا - قطر". هذا ليس أمراً بسيطاً أو تفصيلاً، ويستوجب تدقيقاً أكبر وترقباً، علماً أنَّ رئيس "المستقبل" زار أنقرة مؤخراً، ثم الدوحة، لكن لم يظهر ما يوحي بأنَّه يمتلك جرأة الانتقال من محور إلى آخر، إلا أن هذا الخيار يبقى وارداً بقوة، وخصوصاً أن السعودية تقفل أبوابها بوجهه، وهي ليست في موقع قوة يعوّل عليه في المنطقة، إضافةً إلى أن الحريري متفاهم مع حزب الله، وعلاقة الأخير بهذا المحور (تركيا – قطر – حماس – الإخوان المسلمون) جيدة، بمعزل عن الخلاف المتواصل بين هذا المحور والدولة السورية.
3 - مجرد ردّ انفعالي من علوش من دون خلفية سياسية مسبقة، ومن دون تنسيق أو تخطيط مع "المستقبل"، وهو ما فعله سابقاً في أكثر من مناسبة.
الخيارات الثلاثة واردة: يمكن أن يكون التصريح مناجاة للسعودية من أجل احتضان الحريري مجدداً، ويمكن أن يكون بداية انعطافة سياسية ستكون لها تداعيات سياسية كبيرة، ويمكن أن يكون مجرد "زلة" غير محسوبة.
المؤكّد أنَّ تضخيم الدور التركي كقوة داعمة للسنّة في لبنان هو وهم كبير يوقع علوش الجمهور السنّي به، فالتركي، كما بات واضحاً، يظهر حذراً كبيراً في كل خطواته في لبنان، مع حرص هائل على عدم الوقوع في أخطاء غيره، سواء في الإنفاق الماليّ أو الاستثمار بمن أثبتوا فشلهم الاستراتيجيّ والسياسيّ والتكتيكيّ والإداريّ. ومن يتابع حركة التركيّ يتأكَّد من محاولته استنساخ التّجربة الإيرانيّة لجهة البناء من الصّفر والانطلاق من "تحت إلى فوق" بعكس السّعودي.
أما الأهمّ، فهو التفاهم الإيراني - التركي، إذ لا يمكن الرهان على دور تركيّ تصعيديّ في لبنان في مواجهة حزب الله. يمكن "توريط" الأتراك بتعويض الانكفاء السعودي، لكن ليس وفق أجندات علوش أو "المستقبل"، إنما وفق الأجندة التركية التي تعرف الخطوط الإيرانية الحمراء ولا تقترب منها.
هذا كلّه في التحليل عن بعد. أما أساس الحديث عن الدور التركي، فهو الجغرافيا والميدان، وهو ما لا يفوّت تيار "المستقبل" مناسبة إلا ويؤكّد أنه لا يعرف عنه شيئاً، ففي الأساس الجغرافيّ، هناك دولة عجزت نصف الكرة الأرضية عن كسرها عسكرياً، تقف بين استنجاد علوش وأحلام إردوغان، واسمها سوريا. جغرافياً، عجز الأخير عن إعادة رسمها، وميدانها حافل بالانتصارات.
بين استنجاد علوش وأحلام إردوغان ميدان زرعته دماء أدونيس يوم استشهد في 19 شباط/فبراير 2016 يمثل ألف دالة ودالة، لا يحلم علوش وإردوغان ومن معهما بتجاوزها. الجغرافيا يرسمها المنتصرون بشهدائهم في الميدان، لا المهزومون.