رام الله: بحر من المراسيم وفوضى التّشريعات
الفوضى في التشريعات مستمرّة منذ العام 2007، وهي تصدر عن الضفة الغربية وتطبّق فيها، ويعزز جزء كبير منها الفساد.
لم يكن القرار بقانون، رقم 7 لسنة 2021، الّذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وتعديلاته، هو القرار الوحيد بقانون، ولكنه جاء امتداداً لسلسلة من القرارات بقوانين يستمرّ في إصدارها منذ 14 عاماً هي تاريخ الانقسام الفلسطينيّ، بلغت قرابة 310 قرارات بقانون، في مرحلة لا يوجد وصف لها سوى كونها مرحلة فوضى القرارات بقانون، والتي كرّست فيها سلطة الرجل الواحد.
الفوضى في التشريعات مستمرّة منذ العام 2007، وهي تصدر عن الضفة الغربية وتطبّق فيها، ويعزز جزء كبير منها الفساد. هذه القرارات بقانون لم تعرض على المجلس التشريعي الفلسطيني الذي غيّب قسراً بفعل قرار محكمة غير دستورية، إذ لم تتوفر في تلك المرحلة حالة الضرورة التي أشارت إليها المادة 43 من القانون الأساسيّ الفلسطينيّ.
شهدت الحالة الفلسطينيّة تخبّطاً قانونياً، وما تزال، بفعل استمرار إصدار قرارات بقانون حتى يومنا هذا، إذ يتمّ إصدار قوانين وإقرارها في يوم واحد، رغم أنّ الأصل في التّشريع هو إعداد مشاريع القوانين ودراستها دراسة معمّقة مع خبراء ومختصّين قبل إصدارها وفق الأعراف التشريعية المعروفة.
ما أقدم عليه الرئيس الفلسطينيّ خلال فترة الانقسام بإصدار القرارات بقانون خلق واقعاً قانونياً مأزوماً يصعب فكفكته بسهولة، وأيّ مجلس تشريعي قادم سيكون مثقلاً، ولن يستطيع مناقشة تلك القرارات التي تمَّ إقرارها، في جلسة أو 10 جلسات، بل ربما يحتاج الأمر إلى عامين على الأقل أمام الكمّ الهائل من القرارات.
القرارات بقانون تحمل استغلالاً واضحاً لحالة الطوارئ التي يتمّ تجديدها مرة تلو الأخرى، رغم تجاوز القانون فيها أيضاً، كما يعدّ إصدار القرارات بقانون تحايلاً واضحاً على القانون نفسه الذي يتمّ تفصيله وفق مصلحة السلطة الفلسطينيّة.
هذا المشهد يعني أنَّ الرئيس محمود عباس تحوّل إلى مشرّع بديل من السلطة التشريعية، ووأد المؤسَّسة التشريعية، وأصبحت كلّ السّلطات بيده. وبالتالي، إنّ المطلوب أمام استمرار مسلسل إصدار القرارات بقانون هو وقف فوضى القرارات والمراسيم عاجلاً، والتي كان آخرها إصدار قرارات بقانون طالت السلطة القضائية، وجعلت القاضي موظّفاً لدى السلطة التنفيذية، ومسَّت بشكلٍ مباشر باستقلالية القضاء، وكذلك تشكيل محاكم نظامية، وإنشاء قضاء إداري مستقل على درجتين، وتعديل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002، وهو الأمر الذي رفضته نقابة المحامين وكلّ المنظّمات الحقوقيّة والأهليّة.
والمطلوب أيضاً إلغاء القرار بقانون رقم 7 لسنة 2021 بشأن تعديل قانون الجمعيات الخيريّة والهيئات الأهلية، لما يشكّله من عدوان صارخ على القانون الأساسيّ وقانون الجمعيات والاتفاقيات والمعايير الدولية التي كفلت الحقّ في حرية تكوين الجمعيات، وإلغاء قرارات تشكيل المحكمة الدستورية، لمخالفة تشكيلها واليمين القانونية لأعضائها أحكام القانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية، وتولي المحكمة العليا مهامها مؤقتاً طبقاً لأحكام القانون الأساسي (مادة 104) إلى حين إعادة تشكيلها، بما يكفل معايير الاستقلالية والحياد والكفاءة والمهنيّة والقدرة على حراسة الدستور وحماية الحقوق والحريات الدستورية، وكذلك وقف حالة الطوارئ المستمرة منذ عام كامل، لما تشكّله من اعتداءٍ صارخ على القانون الأساسي والحقوق والحريات الدستورية، واحترام الصلاحيات الدستورية للمجلس التشريعي، وخصوصاً بعد صدور مرسوم الدعوة إلى الانتخابات العامة.
من دون ذلك، لا معنى لأيّ انتخابات برلمانية أمام استمرار حالة التحكّم والسيطرة والتدهور الكبير الذي أصاب النظام السياسي، فلا بد من إعادة الحياة القانونية إلى مؤسّسة الحقّ في التشريع والرقابة، وإعادة الاعتبار إلى مفهوم الفصل بين السلطات وسيادة القانون، من أجل الوصول إلى دولة النظام والقانون.