حوارات القاهرة والانتخابات الفلسطينية.. سيناريوهات النجاح والفشل

فرضية الدخول في قائمة مشتركة بين فتح وحماس تبدو نظرياً مقبولة لكن هناك تحديات كبيرة تعترض طريقها.

  • ثمة تطورات تتفاعل شيئاً فشيئاً على الساحة الفلسطينية استعداداً لاستحقاقات مصيرية.
    ثمة تطورات تتفاعل شيئاً فشيئاً على الساحة الفلسطينية استعداداً لاستحقاقات مصيرية.

 

صدرت المراسيم الرئاسية الثلاثة التي حددت موعداً للانتخابات الفلسطينية الشاملة، التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني، بعد سلسلة من الحوارات الفلسطينية الداخلية بدأت منذ سبتمبر/أيلول الماضي بعقد اجتماع الأمناء العامين في بيروت، وصولاً إلى لقاءات اسطنبول والقاهرة.

ورغم الانتكاسة التي تعرضت لها الحوارات بين حركتي حماس وفتح لحظة إعلان السلطة الفلسطينية عن استئناف العلاقة مع الاحتلال وعودة التنسيق الأمني معه، إلا أنها استعادت حيويتها وأحرزت تقدماً ملموساً بعد المرونة التي قدمتها حركة حماس بقبولها إجراء الانتخابات التشريعية أولاً، تحقيقاً لمطلب حركة فتح التي أصرت عليه في حوارات سابقة. 

صدور المراسيم مهم جداً لكن الأهم هو المرحلة التي تلي صدور هذه المراسيم، والتحديات الكبيرة التي تنتظر مسار الانتخابات الفلسطينية.

ويوماً بعد يوم يقترب موعد الحسم وتكثر التساؤلات والتحليلات: هل تجرى انتخابات فلسطينية بعد أربعة عشر عاماً من الانقسام الفلسطيني بشكل فعلي على أرض الواقع، أم ما زالت في الطريق ألغام يمكن أن تنفجر في أي لحظة؟

استحضار التحديات يعزز فرضية أن الطريق ليس سهلاً على الفصائل وما خلفته إفرازات الانقسام على مدار سنوات ماضية شكلت فيها حركة حماس في قطاع غزة حكومة ومؤسسات وأركان دولة ولم يبق إلا اعتراف الشرعية الدولية فيها، فيما توجد سلطة قائمة تحكم في الضفة الغربية منفصلة تماماً عن غزة ويعترف بها المجتمع الدولي بشكل رسمي.

مسار الانتخابات الفلسطينية لا يمثّل إرادة فلسطينية خالصة بل يرتبط بمتغيرات إقليمية في المنطقة، ويعد ممراً إجبارياً بالنسبة إلى السلطة والفصائل للخروج من المأزق السياسي.

ربما نشهد اليوم حالة تختلف عن المشهد السابق، والقضية تتطلب المزيد من الجدية والمرونة من كل الفصائل للدفع باتجاه إجراء الانتخابات أمام حالة الضغط والتشجيع والمطالبات الدولية الرسمية بضرورة إجراء انتخابات وتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية كافة، وهذا يتطلب دوراً دولياً تجاه تعزيز الرقابة على الانتخابات والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لعدم عرقلتها.

التحديات كبيرة ولا نستطيع الجزم أننا على مقربة من الوصول إلى يوم الاقتراع،. وتتمثل أولى التحديات في موقف الاحتلال الإسرائيلي وإمكانية سماحه بإجراء الانتخابات في مدينة القدس بعد ضمها لتصبح تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. سلطات الاحتلال لن تسمح بهدم ما تم بناؤه في عهد ترامب والمؤشرات في هذا السياق كبيرة، كما أننا لا يمكن أن نغفل الملفات المعقدة التي لا زالت عالقة بين حركتي حماس وفتح والتي تعتبر عوامل رئيسية مُهمة أمام الدفع بعجلة إنجاح مسار الانتخابات.

لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية الملفات المطروحة على طاولة الحوار المرتقب الذي سيعقد في القاهرة في الخامس من فبراير/شباط الجاري على قاعدة فكفكة كل القضايا العالقة التي تحول دون الوصول إلى يوم الاقتراع. هذا الحوار سيشكل مفترق طرق حقيقي ويفترض أن يجيب على سؤال عما إذا كنا ذاهبين للانتخابات أم لا، فالفصائل التي ستحضر الحوار لا يوجد أمامها تصور حقيقي كيف يمكن أن تجري هذه الانتخابات، وهل هذه الجولة من الحوار ستذهب إلى تحقيق مسار الانتخابات بشكله المرجو.

ربما تتفق الفصائل الفلسطينية وتقلص الفجوة في ما بينها إذا رغبت بذلك، وربما تختلف أمام فجوات وتعقيدات القضايا المطروحة على الطاولة، لذلك هذا تحد قائم حتى الآن وغير معروف النتائج. 

من المعضلات المهمة أمام مسار الانتخابات، قضية محكمة الانتخابات التي شُكلت وجل أعضائها من حركة فتح، الأمر الذي تعترض عليه سائر الفصائل الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى المراسيم القضائية التي صدرت مؤخراً، والتي من شأنها أن تسلب صلاحيات السلطة القضائية وتمثل سيفاً مسلطاً على نتائج أي انتخابات قادمة لا تروق للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ناهيك عن قضايا الأمن وتأمين الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقضية الموظفين وإطلاق الحريات العامة ورفع القبضة الأمنية عن المشهد الفلسطيني ككل أمام جميع الفصائل لخوض دعاية انتخابية وفق بيئة تنافسية سليمة.

من أبرز القضايا التي أثيرت مؤخراً بعد صدور المراسيم الرئاسية الخاصة بالانتخابات هي قضية تشكيل قائمة وطنية موحدة بين حركتي حماس وفتح، وهو الخيار الذي يدعمه أمين سر اللجنة المركزية لفتح جبريل الرجوب والرئيس الفلسطيني محمود عباس لضمان عدم حدوث مفاجآت أو السيطرة على الانتخابات خاصة في الضفة الغربية باعتبارها آخر المعاقل التي تسيطر عليها حركة فتح بعد الانقسام الذي حصل، ومن الواضح أنه يسعى أيضاً للحصول على ضمانة من حركة حماس بدعمه في انتخابات الرئاسة وعدم ترشيح شخصية تنافسه على مقعد الرئاسة.

فرضية الدخول في قائمة مشتركة بين فتح وحماس تبدو نظرياً مقبولة لكن هناك تحديات كبيرة تعترض طريقها، ورغم أن البعض يعتبرها مخرجا سياسياً مناسباً، لكن هناك مطبّات كثيرة تعتريها في ظل تحفظ ورفض قيادات حركة فتح في قطاع غزة لمثل هذه الفكرة، ورفض حركة فتح في الضفة الغربية لقبول هذه الفرضية، ولا زالت هناك أسئلة كبيرة بحاجة إلى إجابات واضحة بعد اتفاق أكبر حركتين فلسطينيين على إجراء انتخابات قبل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، ففكرة القائمة الموحدة تبدو مقبولة، غير أنها تحتاج إلى شفافية ومصداقية وتتطلب تقديرات موضوعية حقيقية حتى لا يحدث نزاع جديد، أو يذهب الشعب الفلسطيني في مسار القوائم المنفردة وتشتد حدة المنافسة وهو ما سيؤسس لانقسام جديد الشعب الفلسطيني في غنى عنه. 

ثمة تطورات تتفاعل شيئاً فشيئاً على الساحة الفلسطينية استعداداً لاستحقاقات انتخابية مصيرية ستجرى خلال الأشهر القليلة المقبلة، قد تتضمن مفاجآت ربما تقلب المشهد الفلسطيني رأساً على عقب أو تكرس المعادلة القائمة حالياً.

كل هذه السيناريوهات واردة، لكن الشكل العام للانتخابات الفلسطينية المقبلة تتوقف معالمه بشكل أساسي على مخرجات اجتماعات القاهرة فوجود رؤية موحدة يذلل الكثير من الصعاب، أما العودة إلى الطريقة السابقة في الشد والجذب فسيكون انعكاسات على المصالحة والانتخابات، وهو ما يتوقف على إرادة الأطراف الفلسطينية ومدى قدرتها على استيعاب الدروس، والتعامل مع المعطيات الإقليمية والدولية بدرجة عالية من المرونة، لأن الوقت ليس في صالحها.