انتكاسة العلاقات السّعودية الباكستانيّة.. الأسباب والدّوافع
المتابع للمجريات الأخيرة يدرك أنَّ علاقة الرياض مع إسلام أباد وصلت إلى نهاية فعلية من التقارب، فلماذا هذه الانتكاسة بعد سنوات من التحالف؟
شكّلت الضغوط السعوديّة المسمار الأخير في نعش العلاقات مع باكستان، التي كانت تربطها بها صداقات تاريخية، وكانت تعتبر حليفاً استراتيجياً للرياض. ومؤخراً، شاب العلاقة بين الدولتين توتّر، ضمن سلسلة من القرارات اتخذتها الرياض بشأن إسلام أباد، شملت طلب استرداد قروض مالية وترحيل عمالة باكستانية على مدار العامين الماضيين، ما يعني نهاية فعلية لعصر التقارب بين الطرفين.
الخلافات ليست وليدة اللحظة، وفق متابعة دقيقة للملفّ السعوديّ الباكستاني، فقد بدأت منذ 5 سنوات، وتحديداً في نيسان/أبريل 2015، حين صوَّت البرلمان الباكستاني لصالح قرار يقضي بعدم التدخّل العسكري في اليمن، في إطار عملية أطلق عليها اسم "عاصفة الحزم"، قادتها السعودية ضد اليمن، وذلك بعد أن طلبت الرياض من إسلام أباد المساهمة في الحرب بسفن وطائرات وجنود، لكنَّ الخلاف تعزّز خلال الفترة القليلة الماضية وطفى على السطح أكثر، وهو ما اعتبر بمثابة الضربة القاصمة للعلاقات الباكستانية السعودية.
قطار العلاقات السعودية الباكستانية هذه الفترة يصل إلى محطته الأخيرة بعد عقود من التحالف والتعاون التام بين الدولتين، والمتابع للمجريات الأخيرة يدرك أنَّ علاقة الرياض مع إسلام أباد وصلت إلى نهاية فعلية من التقارب، أو كما يقال بوصف أكثر دقة، إلى طلاق بائن، فلماذا هذه الانتكاسة بعد هذه السنوات من التحالف؟ ربما هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه الآن.
ثمة أسباب وعوامل أوصلت العلاقة بين الدولتين إلى نهاية المطاف، ربما أبرزها إصرار الرياض على إقحام باكستان في قضايا خارجية والتحكّم بالقرار الباكستاني، تحقيقاً لمصالح ورغبات سعودية، ورفض موقف الحياد الذي اتخذته إسلام أباد تجاه العديد من القضايا في المنطقة، وعلى رأسها الرفض الباكستاني لمحاربة السيد عبد الملك الحوثي، بعد رفض البرلمان الباكستاني السماح للجيش بالقتال في اليمن، وهي النقطة الأساسية التي تعقَّدت عندها العلاقات بين الطرفين، ما جعل السعودية تردّ على باكستان برفض دعمها في نزاعها مع الهند، كما عارضت الرياض عقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي من أجل بحث الاعتداءات الهندية على الحدود الباكستانية.
رغم إصرار إسلام أباد على إعادة الطلب مرة أخرى بعقد الاجتماع، تجاهلت السعودية الطلب الباكستاني، وردت بطريقة الابتزاز السعودي الواضح بمطالبة باكستان بإعادة قرض سابق، وهي خطوة لم تقم بها الرياض من قبل مع أي طرف أقرضته مالياً في المنطقة.
ثمة مؤشر واضح على تعقيد غير مسبوق في العلاقة بين الطرفين تعزز مؤخراً بوصول رئيس الأركان الهندي إلى الرياض، أعقبه رسالة سعودية عكست موقفاً جديداً بأنها تتجه إلى سياسات جديدة في العلاقات المستقبلية مع إسلام أباد، الأمر الذي يقترب من كونه إعلاناً شبه رسمي عن انتهاء تحالف قوي صمد لعشرات السنين، ويعني أيضاً خسارة الرياض لحليف كانت تعتبره حليفاً قوياً في المنطقة.
من يتعمّق أكثر في المشهد يستنتج أن السعودية تريد من باكستان أن تتخلّى عن نهجها الحيادي في القضايا التي تمثل تحدياً محسوباً للسياسة الخارجية للرياض. في المقابل، التزمت باكستان بالحياد في ما يتعلق بالأزمة الخليجية الخليجية مثلاً، وأرادت الحفاظ على موقفها الحيادي من برنامج إيران النووي، الأمر الذي تحفّظت عليه السعودية ورفضته أيضاً.
إحدى القضايا المهمة التي لم ترق للنظام السعودي في هذه الأزمة تتمثل في السياسة الناعمة لإسلام أباد تجاه إيران. وقد تعزز ذلك بزيارة قائد الجيش الباكستاني لإيران وتقديم تطمينات للجمهورية الإيرانية، كما أن الطلب السعودي الأخير من إسلام أباد بضرورة تعزيز تواجدها العسكري، وتوجيه أنظمة دفاع جوي وغطاء صاروخي موجه ضد الحوثيين في اليمن أولاً، وإيران مستقبلاً، لاقى رفضاً من باكستان، التي اعتبرته متعارضاً مع مصالحها، في الوقت الذي تعمل منذ 5 سنوات على تنمية علاقاتها الاقتصادية بإيران في مجالات متعددة، أهمها الطاقة.
ثمة تطورات اتضحت معالمها بعد أزمة الرياض وباكستان، مفادها انتهاج سياسة جديدة أصبح محور التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي تقوده السعودية والإمارات، يمارس فيها دور الابتزاز من جهة، ومحاولات الإخضاع والتهجين لجر إسلام أباد إلى مستنقع التطبيع من جهة أخرى، كما جرى مع البحرين والسودان والمغرب، الأمر الذي لاقى رفضاً واضحاً لسلوك هذا المسار، على قاعدة أهمية إنصاف الشعب الفلسطيني، ورفض مسار التطبيع مع الاحتلال بكل أشكاله، ورفض كل محاولات الترغيب والترهيب، مهما بلغ مستواها.