10 أعوام غير كافية.. هل كان "الربيع العربي" ثورة؟
إنّ مدّة السنوات العشر المنصرمة أحدثت تحولات اجتماعية في العالم العربي كان من الصعب تحقيقها لولا اندلاع الثورات.
بمناسبة مرور 10 أعوام على بداية الثورات العربيّة، تتحدّث الانطباعات السائدة عن فشل تلك الثورات في تحقيق التغيير المطلوب، وأنَّ العشرية الأولى التي مضت منذ بداية اندلاعها في تونس ولغاية اليوم حوّلت "الربيع" إلى "شتاء" قاسٍ ساده الاحتراب ودفع الشباب إلى الإحباط والرغبة في الهجرة.
وإذا نظرنا إلى النتائج الظاهرة لغاية الآن، فهي تشير إلى فشل تلك الثورات في التغيير السياسي المطلوب وعدم قدرتها على تحقيق نهضة المجتمع، وأنّ النظام الرسمي العربي والتدخلات الخارجية استطاعت أن تلتفّ عليها وتمنع التغيير السياسي المنشود، بفعل الاقتتال الداخلي وانتشار الإرهاب، وتمّ وضع الشعوب العربية بين خيارين: الحرية أو الأمن.
لكن بخلاف الانطباعات السائدة، فإنَّ فشل الثورات في التغيير السياسي لا يعني فشل الثورة الاجتماعية، بل على العكس، إنّ مدّة السنوات العشر المنصرمة أحدثت تحولات اجتماعية في العالم العربي كان من الصعب تحقيقها لولا اندلاع الثورات. وإذا كان الإحباط مشروعاً لدى فئات الشباب بشكل عام، فذلك يعود في الدرجة الأولى إلى سرعة وسائل الاتصال والتدخلات الأجنبية التي أثارت نوعاً من الوهم بالقدرة على تحقيق التغيير السريع وخلخلة البنى السياسية السائدة.
وإذا أردنا أن ننظر بموضوعية إلى الثورات العربية بعد 10 سنوات من اندلاعها، يمكن الإشارة إلى أن المقاربة السوداوية - المشروعة - على المدى القصير والمتوسط ما زالت تركّز على الشق السياسي، متغافلة عن الحراك الذي يسود البنى الاجتماعية العربية التي ستؤدي إلى إيجابيات على المدى الطويل، لعل أبرزها:
1- مؤشرات ضعف النظام الرسمي العربي
لا شكّ في أن النظام الرسمي العربي احترف دائماً الهروب إلى الأمام لمواجهة احتمال التغيير الاجتماعي والسياسي، فمن الخمسينيات ولغاية السبعينيات من القرن العشرين، أجهض هذا النظام أي مطالب بالحرية والعدالة والمساواة، تحت عنوان الصراع العربي الإسرائيلي، وبات شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مقدمة لفرض حالات الطوارئ في العديد من البلدان العربية.
واليوم، وبعد 10 سنوات من الثورات والحروب والأزمات الاقتصادية، يبدو النظام الرسمي العربي (أو ما كان يسمى بدول الاعتدال) في حالة وهن سياسي، جعلت أركانه يهرولون نحو التطبيع مع "إسرائيل"، لحماية عروشهم ودفع الأمور إلى الأمام، وبهدف تأمين مظلة حماية خارجية أمام التحولات الاجتماعية الداخلية التي ستؤدي إلى تغيير سياسي في نهاية المطاف.
2- جو أفسح من الحرية
باستثناء لبنان الذي تمتع دائماً بمنسوب أعلى من الحريات السياسية والاجتماعية، فإن العالم العربي شهد في السنوات العشر الماضية كسر حواجز كثيرة، منها حاجز الخوف من السلطة، وحاجز المحرمات السياسية، وحاجز المحرمات الثقافية المتوارثة منذ أجيال، والتي لم تعد تتلاءم مع متطلبات العصر الحديث.
وقد أظهرت المشاركة الفاعلة للمرأة والشباب في الثورة، وازدياد مساحة الحرية الفكرية وحرية الرأي والتعبير - على الرغم من استمرار القمع - أن البنى الثقافية العربية قابلة للتحوّل، وأن الثورة الاجتماعية الثقافية في طريقها إلى التبلور، ولو بعد حين.
3- السّيرورة التاريخيّة
خلال دراسة سيرورة الثورات عبر التاريخ، قلَّما نجد ثورة استطاعت أن تحقق تغييراً جذرياً بين ليلة وضحاها كما يراد للثورات العربية أن تفعل، ونبرز في هذا الإطار مثالين تاريخيين:
لقد شكّلت الثورة الفرنسية في العام 1789 إلهاماً كبيراً في مجال الحقوق والحريات العامة، لكنَّ الثورة في أوجها مارست الإرهاب والقتل، ونحرت العديد من الأبرياء، ثم أوصلت نابليون الذي حكم بالحديد والنار تحت عنوان حماية الثورة ومكتسباتها، ما أدّى إلى تراجع الحريات والدخول في العصر الإمبراطوري والحروب الخارجية... لكن نار الحرية التي أشعلتها الثورة الفرنسية بقيت تحت الرماد حتى امتدت إلى جميع أنحاء أوروبا، وحفّزت العديد من الثورات والتغييرات الاجتماعية والسياسية في ما بعد.
أما الثورة البلشفية في العام 1917، فقد أدخلت روسيا في مرحلة من الحرب الأهلية والاقتتال والاغتيالات، إلى أن نجحت في ما بعد في فرض الاستقرار، وأسَّست الاتحاد السوفياتي الذي حكم نصف العالم في ما بعد.
إذاً، إنّ فترة 10 سنوات ليست كافية لنعي الثورات العربية ودفن الأحلام بالتغيير، بل إن من واجب القوى الحيّة في العالم العربي البناء على ما تحقق من خلخلة البنى الاجتماعية المانعة للتغيير والتقدم، وأهمها المطالبة بالدولة المدنية، وعدم الانجرار وراء الغرائز المذهبية التي يتم استخدامها لمنع عجلة التقدم وفرملة اندفاع الشباب نحو التغيير السياسي.