تطوير تفاهم الحزب والتيار لمواكبة السيّد والجنرال
المؤكّد أنَّ الولايات المتحدة أعطت تفاهم "مار مخايل" بعداً استراتيجياً كان غير مرئي لكثيرين، حين ظهرت بمظهر القوة العظمى التي تنشغل بتفاهم بين حزبين في بلد صغير.
خلال 14 عاماً، استنفدت الولايات المتحدة جميع الأدوات السياسية والإعلامية من الداخل والخارج لتخريب تفاهم "مار مخايل" الموقع في 6 شباط/فبراير 2006 بين حزب الله والتيار الوطني الحر. سلكت الإدارة الأميركية مسارين متوازيين؛ الأول هو الترهيب والترغيب لفضِّ التفاهم، والآخر جهد جبار لإضعاف التيار الوطني الحر، حتى يخسر غطاءه الشعبي المسيحي.
وفي المسارين، كانت الأدوات وعدّة العمل كبيرة جداً، لكن حتى التهديد بالعقوبات وفرضها على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لم يحققا الغاية المرجوة أميركياً، إلا أن هذين المسارين الطويلين من الإصرار الأميركي على تخريب التفاهم، يسلّطان الضّوء أولاً على أهميته حتى "تضعه واشنطن برأسها" بهذا الشكل، ويدفعان ثانياً أفرقاءه لفعل كل ما يلزم من أجل تطويره، وهو ما بدأ فعلاً.
بعيد العقوبات على باسيل، تحدَّث الأخير عن ضرورة تقييم التفاهم بعد كل هذه السنوات، ليلاقيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بسرعة خيالية في إبداء كلّ الاستعداد اللازم لإجراء التقييم وتحديد الخطوات اللازمة لـ"التطوير"، علماً أنَّ ما تطوَّر على المستوى الشخصي بين السيد والرئيس ميشال عون يحتاج إلى جهد كبير من حزبيهما وقاعدتيهما لتلحق به.
وما كاد السيد ينهي خطابه حتى كانت مجموعة من الحزب تبدأ بإعداد مسودة سياسية بهذا الشأن، فيما أشارت معلومات "الميادين" أمس إلى أنَّ لقاء افتراضياً جمع السيد وباسيل، كان هدفه الرئيسي رسم خارطة طريق لتطوير هذا التفاهم الذي يستفزّ الولايات المتحدة وسفيرتها في لبنان أكثر، كما يبدو، من ترسانة صواريخ الحزب وقدراته الهجومية المستجدة ومسيّراته فوق مناورات العدو.
ويحدّد المطلعون على فحوى اللقاء الافتراضي بين السيد وباسيل 3 نقاط رئيسيَّة تم الاتفاق عليها، هي:
أولاً، التسليم المسبق بعدم المسّ بما سبق الاتفاق عليه في ما يخصّ حماية لبنان، ودفاع المقاومة عن أراضيه، وفعل كل ما يلزم لتكريس توازن الرعب القائم. هذا البند غير مطروح للنقاش، ويتواصل العمل به بمعزل عن الاتفاق أو عدمه على النقاط الأخرى.
ثانياً، الانطلاق في الاجتماع الأول من ورقة تفاهم 6 شباط/فبراير لتحديد ما أنجز وما لم ينجز، وما يفترض العمل لإنجازه، وما تجاوزه الزمن، مع حرص هائل من الجانبين على مقاربة جميع النقاط بهدوء شديد.
ثالثاً، تشكيل لجنة من الطرفين تناقش أفكارهما، كما حصل خلال الشهور التي سبقت إعلان "مار مخايل"، ستضمّ 6 أشخاص، عُرف منهم النواب آلان عون وسيزار أبي خليل من جهة التيار، وحسن فضل الله من جهة حزب الله.
وتشير معلومات "الميادين" إلى اهتمام التيار الكبير بتوحيد الجهود بينه وبين حزب الله في ما يخصّ الخطط ومشاريع القوانين والقوانين والتعيينات المتعلّقة ببناء الدولة ومحاربة الفساد، بعيداً من تصفية الحسابات السياسية، فبناء معامل الكهرباء جزء من بناء الدولة، ولا يهدف إلى تصفية حسابات سياسية مع أحد، وكذلك الأمر في بناء معامل لفرز النفايات ورفع الحصانات والتدقيق الجنائي وغيره، وهم إذ يبدون تفهماً لحسابات حزب الله، يرون لزاماً تحديد ما يمكن وما لا يمكن التفاهم عليه تحت سقف تفاهماته الجانبية، تماما كما يتفهَّمون وجهة نظره في ما يخّص توسيع رقعة التفاهمات بدلاً من تضييقها، وقد اختبروا باللحم الحيّ أهمية هذا كلّه.
أما الحزب، فلديه ملاحظات بهذا الشأن يحرص على إبقائها لطاولة النقاش في التفاهم، بعيداً من الإعلام، مع تركيز كبير من جانبه على ضرورة تطوير العلاقة بين القاعدتين على المستويات المختلفة، لا تلك السياسية فقط، والتبادل الحقيقي للخبرات، فالأولوية اليوم قد لا تكون للسياسة، في ظلّ كلّ ما يشهده البلد.
المؤكّد أنَّ الولايات المتحدة أعطت تفاهم "مار مخايل" بعداً استراتيجياً كان غير مرئي لكثيرين، حين ظهرت بمظهر القوة العظمى التي تنشغل بتفاهم سياسي بين حزبين في بلد صغير، وهو ما يفترض أن يقوي التفاهم لا يضعفه، وأن يزيد من أهمية تطويره، مع الأخذ بالاعتبار أن قوة التفاهم تكمن في قوة فريقيه، حيث المطلوب فعل كل ما يلزم لتعزيز قوة كل منهما بعد الجهود الجبارة التي بذلت لإضعافهما.