المصالحة الخليجيّة: باردة بلا مقوّمات للاستمرار

يبدو أنّ البحرين غير مرتاحة إلى عودة العلاقات مع قطر بغياب ضمانات تحفظ أمنها، فيما تتعاطى الإمارات مع الملف ببرودة متعمّدة.

  • المصالحة الخليجيّة: باردة بلا مقوّمات للاستمرار
    المصالحة الخليجيّة: باردة بلا مقوّمات للاستمرار

على الرغم من الإعلان عن اقتراب التوصل إلى اتفاق خليجي ينهي ملفّ المقاطعة مع قطر، بحسب تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، فإنَّ الأمور ما زالت ضبابية وغير واضحة، في ظل برودة لافتة لا تتناسب مع حجم الحدث بعودة المياه إلى مجاريها بعد قطيعة بين الأشقاء. 

كما يبدو أنَّ الثلاثي الخليجيّ لا يسير على النّسق نفسه في التعاطي مع ملفّ المصالحة التي تعدّ أقرب إلى كونها تفاهماً سعودياً قطرياً منه إلى تفاهم بين كلّ الأطراف المتخاصمة.

يتّضح ذلك من ردود الفعل الإماراتية. من جانب، تجاهلت الصحف الإماراتية التعاطي مع الحدث، كما أنَّ بعض تعليقات المقربين من دوائر صنع القرار لا يوحي بأنَّ أبو ظبي متحمّسة أو مستعجلة للمصالحة. كتب الدكتور عبد الخالق عبد الله الذي يقال إنه مستشار ولي العهد الإماراتي على "تويتر":

"ما حدث خلال 24 ساعة:

1-               تهدئة باردة وهشة، وليس مصالحة خليجية.

2-                خطوة استباقية لتنفيس الاحتقان الخليجي لمرحلة ما بعد ترامب. 

3-               صدرت تعليمات مشدّدة لقناة الجزيرة لضبط خطّها التحريريّ. 

4-               اعتراف من الجميع بأن لا أحد ينتصر في المقاطعة، والكل منتصر في المصالحة، مهما كابر".

وقد عاد بعدها إلى التغريد مجدداً وقال: "لن يتحرك قطار المصالحة مليميتراً واحداً من دون علم أو من دون موافقة ومباركة الإمارات المسبقة". 

إذاً، الإمارات ليست حاضرة في غرف التفاهمات، ولكن يتمّ إطلاعها ووضعها في صورة مجريات الأمور، ولا حل بالقفز عليها، كما تتطلّع قطر.

من جانب آخر، يبدو أنَّ البحرين هي الأكثر استياء أو تبدو ربما خارج سياق المصالحة، بل إن ما يجري فيه تجاهل لحضور المنامة في المشهد، كما يقول أحد المقربين من السلطة. ويضيف: "لقد تفاجأت البحرين بخبر الاقتراب من تحقيق المصالحة مع قطر، ولم تتم استشارتها في الأمر، رغم أنها من الدول الأكثر تضرراً من السياسات القطرية التي تمسّ أمنها بشكل مباشر. هل يوجد ضمانات بأنَّ قطر لن تعود إلى سياساتها السابقة؟".

هذا الاستياء عكسته البحرين في صفحات صحفها المحلّية التي تديرها السلطة، إذ كتبت سوسن الشاعر القريبة من الديوان الملكي وذات العلاقات الوطيدة بأبو ظبي في مقالها: "شرهتنا (عتبنا) لا على الأمريكان الذين يبحثون عن مصالحهم في غلق هذا الملف، إنما شرهتنا (عتبنا) على أشقائنا الذين لا ننكر وقوفهم مع البحرين في كل محنهم، فلسنا ممن ينكر الفضل، إنما هم يعلمون واقع الحال، ويعرفون موقف البحرين المشرف من أجل خير الجميع، ويعلمون حجم التعديات القطرية وضررها وخسارتنا، ومع ذلك ما زالوا يطالبونها بالسكوت عن حقها. الصلح دائماً خير، ومملكة البحرين ستكون أول الفرحين بهذا الخير، إنما ليس على حساب حقوقها التاريخية والشرعية والقانونية والسيادية".

 أما الكاتب سيد زهرة، فقد كتب: "فجأة، وبلا مقدّمات كثيرة، تم الإعلان عن التوصّل إلى اتفاق لإنهاء أزمة قطر. من حقّنا أن نعرف أولاً ما الذي استجدّ بالضبط، وما العوامل والتطورات التي حدثت وأدّت إلى هذا التحول المفاجئ وقادت إلى الاتفاق، ووفقاً لأي حسابات بالضبط؟".

وأضاف: "من حقّنا أن نعرف هل هذا الاتفاق الذي قيل لنا إنه نهائي لحل الأزمة، تم بإجماع وتوافق آراء كل الدول الأربع المقاطعة، السعودية ومصر والبحرين والإمارات؟".

وعليه، يبدو أنّ البحرين ليست مرتاحة مع عودة العلاقات مع قطر، من دون ما تسميه بالضمانات التي تحفظ أمنها، فيما تتعاطى الإمارات مع الملف ببرودة متعمّدة، وتولي الاهتمام والأولوية في هذه المرحلة إلى تطوير علاقاتها مع "إسرائيل"، لا إلى المصالحة مع الدوحة.

يمكن القول إنَّ المقاطعة بدأت بمواقف متّسقة وموحّدة، غير أنَّ إنهاءها لا يسير على النّسق نفسه. هي مصالحة باردة، إن تمت، وهشة ومرحلية، ولا تملك مقومات الاستمرار، ذلك أن الخلاف عميق وذو امتدادات استراتيجية وإيديولوجية، وليس خلافاً سياسياً بسيطاً. إنه صراع مشاريع في المنطقة، حلّه يعني التفاهم مع تركيا على الملفات الخلافية في سوريا وليبيا ومصر والخليج نفسه.