دبلوماسية دمشق الجديدة.. تذخير سياسي من عيار ثقيل
عقب رحيل الوزير وليد المعلم تعكس التعيينات الثلاثة في الدبلوماسية السورية أن العملية السياسية تأتي في المقام الأول بالنسبة لدمشق.
3 مراسيم رئاسية أقرّت من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي الدبلوماسي السوري؛ بشار الجعفري من نيويورك إلى دمشق، الدبلوماسي العائد إلى وزارة الخارجية كنائب لوزيرها الجديد فيصل مقداد، تنتظره ملفات كثيرة داخلية وخارجية.
وإذا كان تعيين مقداد أمراً متوقعاً كخلف للراحل وليد المعلم، إلا أنَّ الدبلوماسي المخضرم، ابن مدينة درعا، والقابض على أكثر الملفات السياسية السورية تعقيداً في تفكيك البرنامج الكيميائي ومحادثات جنيف، يراهن على ثنائية صلبة تجمعه بالجعفري، بعد استقدامه من أكبر المحافل الدولية التي خاض فيها حرباً دبلوماسية على هوامش حروب الجبهات السورية، وهو ما يطرح أسئلة عن رسم المشهد الدبلوماسي والسياسي سورياً في المرحلة المقبلة، وقبل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي تأسَّس على أرضية ميدانية زاد زخمها في إدلب مع الانسحاب التركي المتوالي من نقاط المراقبة.
تبدي دمشق ارتياحاً إلى نتائج التّفاهمات التي عقدها الروس مع الأتراك حول إدلب منذ اتفاق موسكو في 5 آذار/مارس الفائت، وتعتبره "أفضل الممكن". الهدنة كانت إيجابيَّة، لأنها أتاحت تركيز الجهود لتأمين طريق M5 (حلب - دمشق) والاقتراب أكثر من استعادة M4 (حلب -اللاذقية)، بعد سحب تركيا قواتها وعناصرها من أكثر من 6 نقاط في محيط المحافظة، وهو ما لم يكن متوقّعاً خلال هذه المدّة.
وقد يؤسّس ذلك إلى اختراق الحاجز الذي نصبته دمشق بمواجهة أي اتصال مع أنقرة، قبل إنهاء احتلالها للأراضي السورية، وهو ما تحتاجه أنقرة أكثر من أي وقت سابق، لصياغة تفاهم ربما مع دمشق عبر الروس، مع وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض والمخاوف من العودة إلى استثمار الورقة الكردية أميركياً في وجه أنقرة، لإجبار إردوغان على الانكفاء في كل الملفات التي توسع فيها إقليمياً، وخصوصاً أنَّ هناك من يقول: إردوغان حصل على كل ما يريد في سوريا في عهد ترامب، وليس من إدارة أوباما التي كان بايدن أحد أعمدتها الأساسية.
ويحتاج الانتقال إلى مفاوضات جدية إلى أكثر من مناورة تركية حالية. تريد دمشق استدامة في سحب القوات، والتزام أنقرة بدعم العملية السياسية، وتسليم أوراقها الداخلية إلى رعاتها في أستانة، وإجبار المجموعات المسلحة على تنفيذ شروطها قبل أن تعود مجدداً إلى الخيار العسكري.
ولا يخرج مؤتمر إعادة اللاجئين الأخير في دمشق عن سياق الدلالات التي تؤشر إلى تبدّلات سياسية تُمسِك موسكو بنواصيها ميدانياً وسياسياً. فدمشق تريد منح ورقة سياسية للحليف الروسي لتسهيل حركته في الميادين الدولية، للدفع من أجل رفع الحصار والعقوبات عن سوريا، بمواجهة خطاب غربي لا يزال يشكك في نيات دمشق وقدرتها على استيعاب تلك العودة أمنياً ولوجستياً، وتقول للاجئين إن العودة باتت متاحة من دون ريبة أو تشكيك، رغم كل العقبات التي يصنعها الحصار.
وتعكس التّعيينات الجديدة في الخارجيّة السوريّة احتلال العملية السياسية المحل الأول في أي حراك مقبل، وتكريسها بالمعنى الواسع الذي يشمل شروط دمشق الثابتة في استعادة كل الأراضي السورية وإنهاء الإرهاب، كمدخل وحيد يسعى إلى إنهاء الحرب السّورية.