الرسائل الإسرائيليّة للإدارة الأميركيّة الجديدة
يدرك جو بايدن أن الموقف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني لا يرتبط بالحكومة الحالية، بل هو رؤية شاملة تتبنّاها الأجهزة الأمنية والاستخبارية ومؤسسة "الجيش".
تجمع الأوساط الإسرائيلية الرسمية على أن السياسة المتّبعة ضدّ التّواجد الإيراني في سوريا، أيّاً كان شكله ومهام عمله، هي سياسة لم تتغيّر بتغيّر وزراء الحرب الإسرائيليين منذ العام 2012 وحتى يومنا هذا، ولم يطرأ عليها أيّ تعديل في ظلّ كل المتغيرات الإقليمية وتبدّل الإدارات الأميركيّة.
قبل أيام، شنّ سلاح الجوّ الصّهيونيّ مجموعة من الغارات على أهداف داخل الأراضي السورية العربية، وهي ليست المرة الأولى، فمنذ العام 2012 يواصل العدو الصهيوني سياسته تجاه سوريا وفق ما يسميه "الخطوط الحمر"، والتي ارتبطت بصورة رئيسية بمنع نقل السلاح الكاسر للتوازن إلى حزب الله في لبنان، ومنع أي عمل عسكري ينطلق من الجولان المحتل، ولاحقاً تمت إضافة منع التواجد الإيراني في سوريا.
على الرغم من أنّ السياسة الإسرائيلية المتبعة ضدّ سوريا لم تكن معلنة عبر البيانات الرسمية، غير أنَّ هذه المرة كانت من المرات القليلة والنادرة - بحسب تقديري - لإعلان العدو الرسمي عبر بيان عن استهداف قوات تابعة لقوة القدس في سوريا، وهي رسالة واضحة للإدارة الأميركية القادمة في البيت الأبيض، عبّر عنها رئيس جهاز الموساد بصورة جليّة، بأن هجمات "الجيش" الإسرائيلي ضد إيران سوف تستمر خلال فترة ولاية جو بايدن.
هذه الرسالة تعبير واضح من العدو الإسرائيلي للإدارة الأميركية القادمة برئاسة بايدن عن رفضه أي تحرك إيجابي في الملف الإيراني، واعتراض على وعود بايدن خلال حملته الانتخابية بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ما ينذر بحالة من الخلاف بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة القادمة في التعامل مع الملف النووي الإيراني.
يدرك الرئيس الأميركي القادم جو بايدن أن الموقف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني لا يرتبط بالحكومة الحالية، بل هو رؤية إسرائيلية شاملة تتبنّاها الأجهزة الأمنية والاستخبارية ومؤسسة "الجيش"، إضافة إلى الحكومة اليمينية، وتلقى قبولاً وترحيباً من المكونات السياسية المعارضة. ينبع هذا الإدراك من واقع تجربة استمرت 8 سنوات خلال توليه منصب نائب الرئيس الأميركي، تعرضت فيها الإدارة الأميركية لهجوم واسع من قبل رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ثمة رسالة ثانية أرسلتها الحكومة الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، وهي مرتبطة بمواصلة الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية، عبر الإعلان عن عطاءات جديدة لبناء وحدات سكنية فوق الأراضي المصادرة في المناطق المحتلة في العام 1967، في وقت تتعرض الحكومة الإسرائيلية الحالية لضغوط من كتل اليمين الصهيوني بضرورة تنفيذ قرار الضم قبل وصول بايدن إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، ما يعني أن آفاق التسوية مع الفلسطينيين ستكون أقرب إلى المعدومة، حتى بعد تراجع الرئيس الفلسطيني عن كل قراراته.
أما الرسالة الثالثة للإدارة الأميركية، فقد عبّرت عنها استطلاعات الرأي الصهيونية خلال الفترة الماضية بأنَّ اليمين الصهيوني ما زال صاحب الأغلبية في المشهد السياسي الإسرائيلي. صحيح أن الاستطلاعات أظهرت تراجعاً لكتلة الليكود بزعامة نتنياهو، إلا أنها منحت أحزاب اليمين تفوقاً واضحاً على حساب باقي أحزاب الوسط واليسار.
على الرغم من أنّ الإدارة القادمة ستواجه صعوبات في التعامل مع حكومة اليمين التي اعتادت الدّعم السخي من إدارة ترامب، لكنّها لن تصطدم مع السّياسة الإسرائيليّة في الملفات محلّ الخلاف والتباين.