ما يقلق الخليج بعد ترامب!

لا يبدو أن سياسة بايدن ستذهب أبعد من حدود العلاقة التقليدية التي تمارس الضغوط على هذه الدول بما لا يخلّ باستقرارها، لأنَّ استقرارها يعد مصلحة أميركية خصوصاً بعد مرحلة التطبيع مع "إسرائيل".

  • ما يقلق الخليج بعد ترامب!
    ما يقلق الخليج بعد ترامب!

الخليج ما بعد ترامب - إذا ما سلَّم الأخير السلطة لبايدن من دون مفاجآت - سؤال مفتوح أمام القادة الخليجيين على أسوأ السيناريوهات وأفضلها. ماذا يحمل سيّد البيت الأبيض الجديد في جعبته للخليجيين، وهو الذي وصفهم بالاستبداد، وقال إنهم منتهكون لحقوق الإنسان، واعداً "بإعادة تقييم العلاقات بين بلاده وحلفائه التقليديين"؟ هل يحمل تحولاً في العلاقة أم تصحيحاً للمسارات؟

صحيح أن جو بايدن قال إنه سينسف قواعد العلاقة "المعوجة" التي أسَّسها ترامب، ولكنه لم يتحدّث عن تغير في استراتيجية بلاده وتحالفاتها، فمن المبالغة الاعتقاد بأنه يصبو إلى المساس بجوهر العلاقة مع الخليجيين، وخصوصاً أن الخليج ما زال لاعباً رئيسياً في تمثيل المصالح الأميركية في المنطقة كما يحتمي بواشنطن في تحقيق استقراره.

ثمة تحالف تاريخي ما زالت جذوره قوية لم تتآكل، وبات ذا قيمة استراتيجية أميركياً، وخصوصاً بعد توقيع اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل"، وثمة اتفاق يسير بخطى سريعة نحو تحالف استراتيجي وعسكري في وجه إيران.

يستفيد بايدن من إنجاز ترامب هذا، وقد يحاول التفاوض مع إيران مجدداً، ويسعى إلى إعادة العمل بالاتفاق النووي مع طهران، ولكنه بالتوازي سيدعم "إسرائيل" على الضفة الأخرى من الخليج، ما قد يضع المخاوف الخليجية بشأن تمكين إيران أو تقويتها في إطار المبالغات أو الاستثمار السياسي، ولكن ليس هذا ما يقلق الخليجيين فعلاً!

إنّ ما يقلقهم أكثر هو تصحيح مسار السياسة الخارجية الأميركية في التعامل مع القضايا الداخلية في تلك الدول، والضغط في اتجاه تغير أوضاع حقوق الإنسان وحريات التعبير والحريات السياسية وغيرها. والحقيقة أن الجميع بدأ بلملمة أوراقه الداخلية تحضّراً للمرحلة المقبلة.

في الكونغرس، ثمة قانون يحمل اسم "خاشقجي"، وهو اسم الصحافي جمال خاشقجي، ويستهدف "حظر المساعدات الأميركية وفرض عقوبات على الأفراد لدى ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الصحافيين، وتعزيز التزام الولايات المتحدة بمحاسبة أولئك الذين يستهدفون الصحافيين بالعنف والاضطهاد"، فهل يُفتح ملف خاشقجي من جديد من بوابة القانون؟ وهل يؤدي إلى تغيرات سعودية داخلية، وخصوصاً أنَّ بايدن وعد بفتح هذا الملف وملاحقة المسؤولين عن مقتل خاشقجي؟

في الحقيقة، هو سؤال مفتوح ستحدده حدود القدرة الأميركية على إجراء هذا النوع من التغيير، ومدى وجود حلفاء أقوياء في الداخل لإجراء تغييرات كبرى بهذا الحجم؛ تغييرات لا تؤدي إلى إحداث الفوضى والانقسام في الداخل السعودي.

يبدو هذا السيناريو مستبعداً، فعلى مدى السنوات الماضية جرت إزاحة كل الرؤوس القوية والمؤثرة من المشهد السياسي ومن مواقع صناعة القرار الرئيسية، ولكن ليس من المستبعد استخدام هذا الملف كأداة للضغط على الرياض، لتصحيح بعض الأوضاع الداخلية المتعلقة بحقوق الإنسان.

ويبدو أنَّ الرياض بدأت تتحضر لذلك، عبر تقديم بعض التنازلات الحقوقية في الداخل، إذ يجري الحديث عن إمكانية إجراء عفو عام عن الناشطات الحقوقيات المعتقلات. وفي السياق ذاته، تستبق الرياض الإدارة الأميركية في رسم حدود التنازلات.

هيئة كبار علماء المسلمين أكّدت في اجتماعها الأخير أنَّ جماعة الإخوان المسلمين هي "جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وتتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي الدين"، وتريد الرياض التأكيد أن لا تفاوض مع الإخوان المسلمين، ولا تنازل من شأنه تعزيز الدور التركي في المنطقة.

من جانب آخر، ليس من المستبعد استخدام الملفّ ذاته كأداة من أجل تطويع مواقف الرياض في التطبيع المباشر مع "إسرائيل" أو ربما وقف الحرب على اليمن.

بشكل عام، إنّ ملف خاشقجي سيبقى قيد الاستثمار السياسي. ورغم فظاعته، فإنه ملف من الملفات المطروحة على طاولة العلاقة بين البلدين، والمواقف حوله ليست خارج سياق المصلحة. وسواء حملت إدارة الرئيس 46 خطاباً معادياً لقيادات أو شخصيات خليجية كبرى أو استخدمت هذا الملف للضغط السياسي الداخلي أو الإقليمي، فإن ذلك لن يؤثر في لبّ العلاقة بين الطرفين، وخصوصاً إذا ما كانت هذه العلاقة استراتيجية وذات أبعاد متعددة، كما هو حاصل بين الرياض وواشنطن.

أما البحرين التي تقف على مشارف إكمال عامها العاشر منذ اندلاع أزمتها السياسية، فهي لا تخفي قلقها من سياسة بايدن القادمة، وتكفي متابعة كتّاب المقالات في الصحف المحلية التابعة للسلطة لاكتشاف حجم القلق وعملية الحشد المسبقة لمواجهة أي ضغوط لحلحلة الأزمة.

يبدو المشهد في البحرين متغيراً بعد رحيل رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان، وإمكانية استثمار المرحلة متوافرة بين مشهدية داخلية جديدة ووصول رئيس أميركي ديموقراطي ربما يحمل جديداً مختلفاً عما سبق.

بالنسبة إلى المعارضة، لا يبدو المشهد متفائلاً كثيراً. يقول معارض بحريني: "نتمنى أن تنقل المرحلة القادمة ملف الأزمة من الجمود إلى الحوار، ولكن في الحقيقة لست متفائلاً، وذلك لعدم وجود اعتراف حقيقي بوجود أزمة سياسية، وأقصى ما قد نشهده هو خطوات غير جادة لفتح أبواب الحوار من أجل تمرير الوقت، كما حدث في فترة الرئيس الأميركي باراك أوباما".

ملفّ حقوق الإنسان من شأنه أن يطال الإمارات أيضاً، ولكن أكثر ما تخشاه أبو ظبي هو أن تتبع واشنطن سياسة تدعم فيها الإخوان المسلمين من بوابة حقوق الإنسان والحقوق السياسية، ابتداء من الضغط على مصر، وصولاً إلى التصالح مع قطر من دون شروط، ما من شأنه تمكين الجماعات الإخوانية في الإمارات وإيجاد بؤر تركية في الإقليم الخليجي.

عموماً، قلق الخليج لن يغيّر من حقيقة أن الولايات المتحدة ما زالت الحليف الرئيس لتلك الدول، وإن كانت مضطرة إلى اتباع سياسة تدوير الزوايا في المرحلة المقبلة، كما أن الولايات المتحدة ما زالت بحاجة إلى هذا الحليف كجزء من سياستها واستراتيجيتها في المنطقة.

وفي كل الأحوال، لا يبدو أن سياسة بايدن ستذهب أبعد من حدود العلاقة التقليدية التي تمارس الضغوط على هذه الدول بما لا يخلّ باستقرارها، لأنَّ استقرارها يعد مصلحة أميركية بالدرجة الأولى، وخصوصاً الآن ما بعد مرحلة التطبيع مع "إسرائيل".