التفاؤل الفلسطينيّ بفوز جو بايدن ليس في محله

بايدن الذي أعلن أنه صهيوني بامتياز، لن يحقق للفلسطينيين ما يطمحون إليه من وقف للاستيطان، وإقامة للدولة المستقلة، وعودة اللاجئين، لذلك، يجب أن ينصبّ التفكير الفلسطيني على كيفية خوض المعركة السياسية مع الساكن الجديد للبيت الأبيض.

  • بايدن بعد أن ألقى تصريحات في ويلمنجتون في ديلاوير (أ ف ب).
    بايدن بعد أن ألقى تصريحات في ويلمنجتون في ديلاوير (أ ف ب).

أفرزت الانتخابات الأميركية بعد عدة أيام من الانتظار جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وأرخت الستار على عهد دونالد ترامب العدائي بامتياز تجاه القضية الفلسطينية. لذلك، نجد أجواء تفاؤل كبيرة لدى قيادة السلطة الفلسطينية بفوز بايدن، الذي اعتبرته انتهاء لكابوس بشع متمثل بـ"صفقة القرن" التي قدمتها إدارة دونالد ترامب، فهل حقاً التفاؤل الفلسطيني بإدارة جو بايدن في محله؟

يدعم جو بايدن حلّ الدولتين، لكن من منطلق صهيوني إيديولوجي يخدم المصلحة الإسرائيلية العليا، التي تتخوّف بالتأكيد من تشكّل ظروف تؤدي إلى نشوء دولة ثنائية القومية في "إسرائيل". لذلك، موقف بايدن رافض لضمّ أراضي الضفة الغربية إلى السيادة الاسرائيلية، إضافةً إلى قناعته بأنَّ السلطة الفلسطينية كيان يجب المحافظة عليه، ليس لأنه يشكل نواة الدولة الفلسطينية المستقلة، بل لأن دورها الوظيفي الذي تمارسه منذ اتفاق أوسلو يحافظ بشكل كبير على أمن "إسرائيل"، ويزيد من شرعيتها الدولية والإقليمية. لذلك، تأمل السلطة الفلسطينية الكثير من إدارة بايدن في تعزيز قوتها مادياً وسياسياً، وخصوصاً بعد العلاقات السيئة مع إدارة ترامب في ضوء "صفقة القرن" والخطوات الأميركية المرافقة لها.

يصطدم التفاؤل الفلسطيني بإدارة جو بايدن بعدة معوقات أساسية، أهمها:

الملف النووي الإيراني: تولى بايدن منصب نائب الرئيس لمدة 8 سنوات طوال فترة حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما. لذلك، من السهل الجزم بأنَّ قضية الملف النووي الإيراني تحتل أعلى سلم أولوياته في قضايا الشرق الأوسط، وأن خطوط سياساته العامة في هذا الملف تتمثل في العودة مباشرة إلى اتفاق 5+1 الذي وقعته إدارة أوباما في العام 2015، وانسحب منه ترامب في العام 2018، مع السعي لإدخال بعض التعديلات التي تتناسب مع الظروف الحالية.

من الجدير بالذكر أنَّ الملف النووي الإيراني كان محل خلاف كبير بين بنيامين نتنياهو وإدارة أوباما، إذ استخدم نتنياهو كل علاقاته داخل السياسة الأميركية للتأثير في أوباما، إلى درجة ذهابه إلى الكونغرس ليهاجم الاتفاق من دون التنسيق مع الرئيس الأميركي أوباما، لكن الأخير كان في الفترة الثانية من ولايته، ولذلك كان متحرراً من الضغوطات الإسرائيلية، الأمر الذي لا يتوفر لجو بايدن، الذي يسعى بالتأكيد لانتخابه مرة ثانية.

والجدير بالذكر أيضاً أنه رغم تحرر أوباما من الضغوط الإسرائيلية، فإنَّه قايض بطريقة غير مباشرة الاتفاق النووي الإيراني بالدعم المالي غير المسبوق لـ"إسرائيل"، 38 مليار دولار، لإرضاء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، ناهيك بعدم ممارسة الضغط السياسي لإيقاف الاستيطان الذي تسارع أثناء ولايته، إضافة إلى التطبيع العربي مع "إسرائيل" كمتغير جديد لم يكن حادثاً في عهد أوباما، ما يساعد على تشكيل موقف إسرائيلي خليجي موحّد ضد الاتفاق النووي الإيراني.

الاستقطاب السياسي: يواجه جو بايدن أزمة استقطاب سياسي حادّ في الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي عبرت عنه نتائج الانتخابات الكبيرة، والذي ألمح إليه بايدن في خطابه، عندما أكد للجمهور الأميركي أنه سيكون رئيساً لكل الأميركيين. لذلك، ليس من مصلحة بايدن فتح معركة مع الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو في ظل هذه الأجواء، وخصوصاً أن نتائج انتخابات مجلس الشيوخ الأميركي منحت الحزب الجمهوري السيطرة عليه.

لذا، من المتوقع أن يمارس بايدن مع "إسرائيل" سياسة العصا في الملف النووي الإيراني والجزرة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. بمعنى آخر، إن بايدن سيدعم سياسة الأمر الواقع الاستيطانية الهادئة الإسرائيلية من خلال الصمت الأميركي، وهي السياسة التي تنتهجها "إسرائيل" منذ توقيع اتفاق اوسلو.

لذلك، التفاؤل الرسمي الفلسطيني تجاه بايدن ليس في محله، ما لم يفكر الفلسطيني في امتلاك أوراق ضغط على إدارة بايدن الجديدة، وأهمها إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بناء على قرارات اجتماع الأمناء العامين الأخيرة، وعدم السقوط في فخ الرهانات العاطفية البعيدة كل البعد من حقيقة الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية، فبايدن الذي أعلن أنه صهيوني بامتياز، لن يحقق للفلسطينيين ما يطمحون إليه من وقف للاستيطان، وإقامة للدولة المستقلة، وعودة اللاجئين. لذلك، يجب أن ينصبّ التفكير الفلسطيني على كيفية خوض المعركة السياسية مع القادم الجديد إلى البيت الأبيض، وليس العمل على إرضائه تحت شعار الرهان على جو بايدن، لأنه أتى فقط بعد فترة حكم ترامب الكارثية.