هل يلتزم بايدن بتطبيق "المانيفستو" اليساري؟

يحمل بايدن برنامج عملٍ ثوري بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية التي تعمل قوانينها لخدمة مصالح الشركات الكبرى وأرباب العمل، وتبتعد عن السياسات الاجتماعية، فهل سيطبّق بايدن فعلاً هذا البرنامج أم يبقى حبراً على ورق؟

  • يبدو أن الديمقراطيين تعلّموا من دروس انتخابات 2016 التي خسرت فيها هيلاري كلينتون بشكل لم يكن يتصوّره أحد
    يبدو أن الديمقراطيين تعلّموا من دروس انتخابات 2016 التي خسرت فيها هيلاري كلينتون بشكل لم يكن يتصوّره أحد

خلافاً لكل توقّعات استطلاعات الرأي التي ترقّبت فوزاً سهلاً لجو بايدن يقارب الاكتساح، فاز بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية بأرقام متقاربة مع الرئيس دونالد ترامب، وتبيّن أن ترامب استطاع أن يحتفظ بتأييد الجزب الجمهوري له، ووسّع قاعدته الناخبة عمّا كانت عليه عام 2016.

ومن خلال مراقبة موضوعية للانتخابات، يبدو أن الديمقراطيين تعلّموا من دروس انتخابات 2016 التي خسرت فيها هيلاري كلينتون بشكل لم يكن يتصوّره أحد. ولعل الدرس الأهم الذي تعلموه هو أن الطبقة الحاكمة الأميركية لا يمكن لها أن تربح انتخابات يكون فيها طرفي اليمين واليسار ضدها، وأن وصول بايدن إلى البيت الأبيض يحتاج إلى تقديم تنازلات أهمها؛ الاعتراف بالتنوع الذي باتت عليه تركيبة الحزب الديمقراطي، وأن جناح اليسار في الحزب الممثّل ببارني ساندرز (يطلق عليهم اسم التقدميين في الولايات المتحدة)، بات يشكّل حالة يُحسب لها حساب ضمن القواعد الناخبة للحزب الديمقراطي، خاصة بين الشباب.

وهكذا، انطلاقاً من هذه القناعة، قام بايدن بالتفاوض مع ساندرز على برنامج عمل للإدارة الأميركية القادمة- أطلق عليه إعلام اليمين اسم "المانيفستو"- تضمّن الكثير من الأفكار التقدمية، والتي يمكن اعتبارها "ثورةً" في القوانين السياسية الأميركية في حال تطبيقه، وأبرز ما جاء في الاتفاق ما يلي:

1- مكافحة أزمة المناخ والعمل على تحقيق العدالة البيئية، ويتضمن الوعد بالعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتعهد بتأمين صناعات بديلة صديقة للبيئة وتوفير بدائل للمتضررين وتوفير فرص عمل تعتمد على هذه الصناعات المستحدثة. يتناول الإتفاق أيضاً العدل والإنصاف، تجاه مجتمعات الأميركيين الأفارقة، والمجتمعات القبليّة والمهاجرين والأُسر ذات الدخل المنخفض والتي يجب أن تستفيد من اقتصاد الطاقة النظيفة لتُحقّق الازدهار الاقتصادي. 

اللاّفت في الاتفاق عنوان "العمال والناس أهم من الربح"، إنه تعهّد بخلق وظائف مع تأكيد حق الانتساب للنقابات، وأُدرجت عبارة الاهتمام بالعمال "مهما كلّف الأمر" وتمكينهم وتكريس حقهم في تنظيم نقاباتهم والتفاوض من أجل أجور أعلى، وخدمات وظروف عمل أفضل.

2- العدالة الجنائية، وفيها تعهّد بإصلاح الشرطة والقضاء، وإزالة التمييز العرقي، وإصلاح السجون وإلغاء العمل الجبري والاستغلالي في السجن، الخ..

3- الاقتصاد: وفيه تعهّد بإبرام عقد اجتماعي واقتصادي جديد للشعب الأميركي، حيث العمل والسكن والصحة هي حقوق وليست امتياز. يتعهد الاتفاق بالتخلص من التمييز العرقي، ودعم العائلات العاملة عبر سلسلة من الخدمات (الحضانة، العطل المدفوعة، برامج التغذية الخ..) ودعم العمّال عبر تأمين ظروف عمل أفضل، مثل تخفيض الضرائب، وتأمين الضمانات الكافية لتأسيس نقابات تدافع عن حقوق العمال، وتوسيع التقديمات الاجتماعية، ومعاقبة أرباب العمل الذين يجنون الأرباح من تسخير العمال وعدم تسجيلهم وغير ذلك..

4- التعليم: لكل أميركي الحق في التعليم بدون تمييز. ويشير الاتفاق بالتفصيل إلى إجراءات تربوية ومالية وضرائبية لمساعدة الأميركيين لاكتساب هذا الحق. والأهم، إقرار برامج إعفاء الطلاب الجامعيين من الديون التعليمية، بحسب الدخل. ولا يغفل أن يُدرج بندٌ خاصٌ بحقوق العمّال كما في جميع الأقسام الأخرى.

5- الصحة: ويتحدث الاتفاق عن ضرورة إيجاد نظام صحي لجميع الأميركيين، خاصة بعدما أبرزت جائحة كورونا ضرورة وجود هذا النظام، كما تحدث عن الغبن اللاّحق بالعاملين في هذا القطاع الذين يعملون بأقل من 15 دولار في الساعة، وبدون تقديمات اجتماعية. ويشير إلى ضرورة إزالة التمييز وتحقيق العدالة والاستثمار في تفعيل القطاع، لأن الضمان الصحي حقٌّ وليس امتياز.

6- الهجرة: وفيه تعهّد بتصحيح الإجراءات السابقة والأضرار التي سبّبها دونالد ترامب، وعصرنة نظام منح الجنسية، وإزالة العوائق التمييزية الخ...

إذاً، هو برنامج عملٍ تقدميٍّ ثوري بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية التي تعمل قوانينها لخدمة مصالح الشركات الكبرى وأرباب العمل، وتبتعد عن السياسات الاجتماعية التي اتّبعها الأوروبيون. فهل سيطبّق بايدن فعلاً هذا البرنامج أم يبقى حبراً على ورق؟ 

لا شكّ أن الأمر مرتبطٌ بحصول الديمقراطيين على الغالبية في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى قوى ومجموعات الضغط التي يمكن أن تعرقل تطبيق بعض المشاريع التي تضرّ بمصالح النّخب التقليدية.

 

بعد 4 سنوات من ولاية الرئيس دونالد ترامب يخوض الأخير انتخابات جديدة للفوز بولاية ثانية، فيما يخوض الديمقراطيون معركة العودة إلى الرئاسة مستفيدين من أخطاء ترامب والمشاكل التي أغرق فيها أميركا.