غزّة في دائرة الحصار الإسرائيليّ المفرغة.. إلى متى؟

المطلوب فلسطينياً بعد 14 عاماً من الحصار على غزة أن تتركز المطالب الفلسطينية الموحدة على كسر الحصار بأشكاله كافة.

  • البالونات الحارقة تعبير عن حالة شعبية رافضة لاستمرار الحصار الإسرائيلي على سكّان قطاع غزة
    البالونات الحارقة تعبير عن حالة شعبية رافضة لاستمرار الحصار الإسرائيلي على سكّان قطاع غزة

إنَّ التوتر الحاصل بين قطاع غزة و"إسرائيل" إثر إطلاق الفلسطينيين البالونات الحارقة، كتعبير عن حالة شعبية رافضة لاستمرار الحصار الإسرائيلي على سكّان القطاع، ومسلسل القصف الصهيوني الليلي الغاشم بالدبابات والطائرات على مدنه، في حالة من استخدام القوّة العسكرية المفرطة في مواجهة المساعي الفلسطينية الشعبية لكسر الحصار، يعيدنا إلى قراءة استراتيجية الحصار الإسرائيلي المستخدمة ضدّ غزّة، وتحليل الآليات التي نجحت بها "إسرائيل" في استمرار حصارها لها طوال هذه الفترة.

تفرّق المؤسّسة العسكريّة والسياسيّة الإسرائيليّة بين استراتيجيتين من الحصار والإغلاق، الأولى تسمّيها الإغلاق التام، إذ يتمّ إقفال كامل المنطقة وعدم السماح بالدخول والخروج منها في كلّ الظروف، كآلية حصار شاملة. 

والاستراتيجية الثانية هي الإغلاق المتنفّس، وهي مأخوذة من فكرة الشهيق والزفير لكي يبقى الإنسان على قيد الحياة ولا يموت. ويأتي استخدام صفة "متنفّس" اعترافاً بحقيقة أنَّ الإغلاق التام يخنق السكان المحاصَرين بالكامل. لذلك، في شروط محددة وظروف معينة، يمكن التخفيف عن السكان أو التشديد عليهم بحسب مصلحة الدولة المحاصِرة.

إنَّ خطّة الاحتلال الإسرائيلي لحصار غزة مبنية على الضّغط الشّديد على السكّان في غزة، من خلال فرضها الحصار التام، ما يمارس أقصى درجات الشّلل الممكن للحياة اليوميّة لسكان القطاع.

وعندما تبدأ إشارات الكارثة الإنسانية بالظهور في غزة بشكل كبير، ويصبح من الممكن إثارة المجتمع الدولي تجاه شرعية حصارها، سرعان ما ينتقل الاحتلال إلى الحصار المتنفّس، من خلال السماح بدخول بعض المنتجات الضرورية لاستمرار الحياة فيها، من دون السماح لها بإحداث تسهيلات جوهرية على حياة السكان إثر الحصار الإسرائيلي، في محاولة إسرائيلية لقطع الطريق عن تشكل أيّ مسار لنزع شرعية حصارها على مليونين ونصف مليون إنسان في القطاع، والأهم دوماً السعي إلى عدم انفجار أزمة غزة الإنسانية من الحصار بوجه الاحتلال.

تحدث مساعٍ من غزة أو خارجها في فترات الحصار المتنفّس لكسر الحصار الظالم عليها، من خلال المطالبة بالازدياد التدريجي في الكمّ والنوع لكل ما من شأنه تخفيف الحصار كحدّ أدنى للحقّ الغزاوي. وسرعان ما تواجه "إسرائيل" ذلك بالعودة التلقائية إلى أسلوب الحصار الخانق (التام) لفترة ما، لإحداث الصدمة لدى جمهور غزة، من أجل خلق حالة من عدم الثقة من قبل الجمهور الغزي بتلك المساعي وقدرتها على إحداث اختراق فعلي في جدار الحصار الإسرائيلي، ما يؤثر سلباً في قدرة القائمين على الاستمرار في تلك المساعي.

وتعتمد المؤسّسة العسكريّة والسياسيّة الإسرائيليّة على قصر النّفس الفلسطينيّ المنهك أساساً من الحصار، إضافة إلى استخدام أدواتها الدبلوماسية الدولية والعربية لحرف المطلب الغزي من كسر الحصار إلى العودة إلى الحصار المتنفّس من جديد، وبذلك تحافظ "إسرائيل" على دائرة مفرغة من الحصار على قطاع غزة لا يمكن كسره.

المطلوب فلسطينياً بعد 14 عاماً من الحصار على غزة، والظروف الإنسانية المأساوية التي وصلت إليها الحالة الاقتصادية والاجتماعية فيها، أن تتركز المطالب والمساعي الفلسطينية الموحدة على كسر الحصار بأشكاله كافة، وبشكل جذري، كهدف أساسي ووحيد لكل الخطوات السياسية الفلسطينية، رغم كل المثبطات الداخلية والخارجية، بعيداً من لعبة وعود الانتقال من الحصار الإسرائيلي التام إلى الحصار المتنفّس من جديد.