الاستفزاز الأميركي للطائرة الإيرانية: مقاربة قانونية وسياسية

الاستفزاز بحدّ ذاته يطرح علامات استفهام كبرى حول المدى الذي يمكن للأميركيين أن يذهبوا به في ممارسة سياسة حافة الهاوية.

  • تسبب الاستهداف الأميركي للطائرة المدنية الإيرانية بهلع لدى المسافرين في الطائرة
    تسبب الاستهداف الأميركي للطائرة المدنية الإيرانية بهلع لدى المسافرين في الطائرة

في خطوة تصعيدية غير متوقعة، اعترضت مقاتلة أميركية طائرة ركاب مدنية إيرانية متجهة إلى بيروت، فوق منطقة التنف التي تسيطر عليها قوات التحالف الأميركي في الأراضي السورية. وقد أقرّ المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية أن "طائرة أميركية من طراز إف-15، كانت في مهمة جوية روتينية قرب  قاعدة التنف في سوريا، قامت بتفقّد بصري عادي لطائرة ركاب ماهان على مسافة آمنة تبلغ نحو 1000 متر". وأنه "عندما تعرف قائد الإف-15 على الطائرة على أنها طائرة ركاب لماهان إير، ابتعد بأمان عن الطائرة"، مؤكداً أن عملية "الاعتراض المهنية جرت وفق المعايير الدولية".

وقد تسبب الحادث بهلع لدى المسافرين في الطائرة حين اضطر قبطان الطائرة إلى تغيير مسار الطائرة بطريقة فجائية ليتحاشى الاصطدام، وأصيب بعض الركاب بجراح مختلفة، وبرزت مطالبات مختلفة تطالب بتحويل القضية إلى المحاكم الجنائية الدولية أو سواها.

في هذا الإطار، يبدو من المفيد مقاربة هذا الحادث الخطير من الناحية القانونية والسياسية، واستكشاف الإمكانيات القانونية التي يمتلكها الأطراف المتضررون للمواجهة، وعدم تكراره في المستقبل.

في الإطار القانوني:

يعود للمنظمة الدولية للطيران المدني "أيكاو"  التابعة للأمم المتحدة التحقيق في الحادث، وتبيان إن كان الأميركيون قد خرقوا "اتفاقية شيكاغو  1944" واتفاقية مونتريال 1971" فعلاً، واتخاذ القرار في ما يترتب على ذلك.

بالنسبة لاتفاقية شيكاغو عام 1944 التي تمّ على أساسها تأسيس منظمة إيكاو، فهي تنص على أن لكل الدول الموقعة عليها السيادة الكاملة على مجالها الجوي، بحيث جاء في المادة السادسة، "لا يجوز لأي خط جوّي دولي منتظم أن يطير فوق إقليم دولة متعاقدة (…) إلا إذا كان يحمل إذناً خاصاً أو ترخيصاً من قبل تلك الدولة".

وهذا يعني أن الطائرات الأميركية قد خرقت السيادة السورية في الأساس، على اعتبار أن المجال الجوي فوق التنف هو أرض سورية خاضعة للسيادة السورية، ولم تكن الطائرات الأميركية تنفّذ مهماتها في إطار "محاربة الإرهاب" التي تعمل قوات التحالف ضمن إطاره القانوني. 

أما اتفاقية مونتريال التي انبثقت عن المؤتمر الدولي لقانون الجو في مونتريال في 23 أيلول/سبتمبر 1971، ودخلت حيز التنفيذ في 26 كانون الثاني/يناير 1973، فهي اتفاقية متعددة الأطراف تهدف إلى قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني والتي تنص على حظر ومعاقبة السلوك الذي يهدد سلامة الطيران المدني.

وعليه، يمكن لكل من سوريا وإيران التقدم بشكاوى أمام المنظمة الدولية للطيران المدني للفصل في القضية، والحكم إذا ما كانت الطائرة الأميركية قد انتهكت اتفاقية مونتريال وعرّضت سلامة الطيران المدني للخطر بالفعل.

أما بالنسبة للمطالبات بتحويل القضية إلى المحاكم الجنائية كما يطالب البعض، فيجب أن نذكر أن الموضوع ليس من اختصاص المحاكم الجنائية الدولية التي تختص بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، والإبادة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لا من قريب ولا من بعيد، وليس من مهمتها النظر في الاستفزازات التي تحصل للطيران المدني.

أما في الإطار السياسي:

وبغض النظر عن التبريرات الأميركية للحادث واعتباره أمراً روتينياً لا يخرق المعايير الدولية، فإن الاستفزاز بحدّ ذاته يطرح علامات استفهام كبرى حول المدى الذي يمكن للأميركيين أن يذهبوا به في ممارسة سياسة حافة الهاوية، وتوتير الأجواء في الشرق الأوسط الذي يبدو على شفا الانفجار منذ مقتل الفريق سليماني من قبل الأميركيين، والرد الإيراني على قاعدة عين الاسد الأميركية في العراق، هذا بالإضافة إلى التوتر غير المسبوق الناتج عن سياسة الضغوط الاقتصادية القصوى التي يعتمدها الرئيس الأميركي على دول محور المقاومة، والتي تهدد شعوب المنطقة بالجوع وتهدد الاستقرار الإقليمي برمّته.