طهران تحيي أستانة لمواجهة "قيصر"
إحياء أستانة لمواجهة قيصر هو ورقة طهران التي طار بها محمد جواد ظريف بين أنقرة وموسكو، عشية دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ وانتهاء مهلة بروتوكول موسكو حول إدلب.
كشفت التصريحات الرسمية الروسية التركية خلال الزيارتين اللتين قام بهما وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تركيا ثم إلى روسيا، وإلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً بين وزراء خارجية ودفاع البلدين في أنقرة، خلافاً عميقاً حول ملفين أساسيين: وقف إطلاق النار في ليبيا وتفاهم سوتشي في سوريا.
وإن تلطَّت التصريحات خلف عبارات دبلوماسية توحي باستمرار التنسيق والثقة بين الطرفين، وإذ تبدو طهران عراباً دبلوماسياً استُدعي على عجل لاستدراك انفراط المسار الذي راكم الكثير من الأوراق في العملية السياسية السورية، فإنّ طهران تعيد طرح ورقة أستانة مجدداً على الطاولة، بعد فشل سوتشي في فصوله المتكرّرة بالوصول إلى حل مستدام حول إدلب.
وقد تنتظر العمليات العسكرية لفتح طريق "إم-4"، لقاء القمّة المرتقب بين الرؤساء إردوغان وبوتين وروحاني (عبر تقنيّة "الفيديو كونفراس")، كما أعلن ظريف في موسكو، قبل أن تحتدم من جديد، أو ربما حصول صفقة سياسية روسية تركية جديدة لا تبدو قريبة مع اتساع الهوة بين الطرفين بعد التطورات الأخيرة في ليبيا.
إنَّ العودة إلى ما قبل انتصار سراقب قد تكون الورقة التي حاول الهجوم التركي الأخير عبر فصائل "الحزب الإسلامي" و"أنصار التوحيد" الحصول عليها، قبل أن تنتهي مهلة بروتوكول موسكو، وترتسم خطوط سيطرة جديدة تتيح لأنقرة فرض شروط جديدة على موسكو، قبل أن تحسم الأخيرة أمرها باستئناف العملية العسكرية لاستكمال تنفيذ بنود سوتشي وفتح الطريق الدولية "أم-4" (اللاذقية - حلب)، كما كان في فتح طريق "أم-5" (دمشق - حلب).
استأنف ظريف في أنقرة وموسكو ما بدأه في زيارته الدمشقية في نيسان/أبريل الفائت، بإعادة التأكيد على ضرورة العودة إلى مسار أستانة، لوضع العملية السياسية مجدداً على السكة، وإعادة التوازن داخل التحالف مع الروس، لمواجهة استحقاقات قيصر.
وبيّنت المواقف الإيرانية في دمشق أنَّ اتفاق سوتشي الذي استعجلت فيه موسكو إيقاف المعارك ومنح مهلة للمسلّحين للانسحاب من محيط طريق "أم-4"، لم يكن كافياً، إذ بات واضحاً أن الروس قدّموا للأتراك، لإنجاح الاتفاق والتخلص من الضغوط الإعلامية، تنازلاً كبيراً وغير مبرر للفصائل المسلحة، في ظل تقدم ميداني كانت تسجّله دمشق وحلفاؤها، وكان بإمكانه الوصول إلى فتح طريق "أم-4" خلال أيام قبل إيقاف المعارك وعقد قمة موسكو في الخامس من آذار/مارس الفائت.
ويعكس إرسال سفينة شحن إيرانيَّة تحمل مساعدات إنسانية إلى سوريا قبل أيام، ووصول وفد اقتصاديّ إيرانيّ إلى العاصمة دمشق، تبلور اتجاه سوريّ إيرانيّ لإيجاد آليات تخفّف تأثير عقوبات قانون قيصر، أكَّده كلام السيد حسن نصرالله بأنَّ "حلفاء سوريا لن يتخلّوا عنها، ولن يسمحوا بسقوطها في مواجهة العقوبات الاقتصادية"، في وقت تسعى طهران إلى منع تمرير حلّ سياسيّ تنتزعه ضغوط "قيصر"، كما ترغب واشنطن وتنتظر، يكون في المقام الأول على حساب الحلف الإيراني السوري ومحور المقاومة.