سقوط "الترامبيّة"؟

المقصود بالترامبية ظاهرة السياسيين أصحاب النزعة الشعبوية غير الدبلوماسية، الذين استفادوا من ممارسة السياسات اليمينية التي نمت بسرعة بفضل عودة المشاعر القومية.

  • سقوط "الترامبيّة"؟
    الظاهرة الترامبية لا تعني حصراً الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحده

للشَّهر الرابع على التوالي، ما زال العالم يضجّ بأخبار فيروس كورونا المستجد ويحاول التأقلم مع نتائجه. وعلى الرغم من إعلان معظم دول العالم عن توجّهها لإعادة فتح الأسواق والمعامل خلال شهر أيار/مايو الحالي، فإن تداعيات الفيروس لن تتوقَّف على النتائج الاقتصادية، بل ستتعدّاها إلى العديد من النتائج السياسية في الولايات المتحدة والعالم، وأهمها قد يكون سقوط الظاهرة "الترامبية".

ومن المفيد ذكره أن الظاهرة الترامبية لا تعني حصراً الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحده، على الرغم من أنه بصفته قائداً للغرب، يُعتبر من الملهمين لكثير من القيادات التقليدية المحافظة واليمين الذي يأخذ جرعات دعم من صموده في الولايات المتحدة ومواقفه المثيرة للجدل.

أما المقصود بالترامبية، فهي ظاهرة السياسيين أصحاب النزعة الشعبوية غير الدبلوماسية، الذين استفادوا من ممارسة السياسات اليمينية التي نمت بسرعة بفضل عودة المشاعر الوطنية أو القومية في كل ركن من أركان العالم تقريباً، ولكن بشكل خاص في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. 

وكان ترامب، الذي وصل إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة عبر شعار "أميركا أولاً"، يشجّع البلدان التي تسير بالفعل على هذا الطريق (المصلحة الوطنية أولاً) على مواصلة السير فيها وحثّ الآخرين على اعتمادها.

وهكذا، تضم الترامبية العديد من قادة دول العالم، من مثل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وغيرهم ممن يتشابهون مع ترامب في المواصفات القيادية، والعبارات النابية، والخطابات القومية الشعبوية... 

أما من ناحية السياسات، فيتشابه هؤلاء في رفضهم سياسات الهجرة واعتبارها مصدراً لخراب الاقتصاد وتدميراً للهوية الوطنية، كما رفض السياسات العالمية ذات الطابع التعاوني التعددي، وتفضيل الاتفاقيات الثنائية، طمعاً في تحقيق أكثر المكاسب...

وفي التعامل مع جائحة كورونا، نجد أن الرئيس البرازيلي تعامل مع الجائحة باستخفاف - كما فعل ترامب - وشجَّع الناس على الخروج لمزاولة العمل ومنع انهيار الاقتصاد، لكن الأمر أُسقط من يده بعدما حسمت المحكمة العليا الأمر، واعتبرت أن القرار يتخذه حكام الولايات والبلديات، فما كان منه إلا أن دعا أنصاره للنزول إلى الشارع للاحتجاج على أوامر الإغلاق. وفي ردٍ على سؤال بشأن تخطي حصيلة الوفيات نتيجة الوباء عتبة الخمسة آلاف، أجاب بولسونارو باستخفاف: "وإن يكن"، ما أثار موجة من الاستياء والسخط في البرازيل.

أما جونسون، فقد دعا إلى عدم الإغلاق في بداية الأزمة، طالباً من البريطانيين تقبّل فكرة وداع أحبائهم، قبل أن يضرب الوباء بريطانيا بشدّة، ويضطر معها إلى إعلان الإغلاق، وإصابة جونسون نفسه بفيروس كورونا ودخوله المستشفى.

وهكذا، نجد أن الترامبية لم تعرف كيف تتعامل مع الوباء، وأظهرت أنها تفضّل الاقتصاد على صحّة الناس، وأن الخطابات الشعبوية لم تستطع أن تقدم حلولاً للناس في ظل أزمات وبائية خطيرة.

 وفي مقارنة نتائج استطلاعات الرأي ما قبل كورونا وما بعده، نجد أن اليمين الأوروبي في ألمانيا والسويد وغيرها، والذي كان يسجّل أرقاماً قياسية في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير المنصرم، تراجع بشكل دراماتيكي، بينما نجد أن حزب ميركل، وحليفها البافاري في ألمانيا، والحزب الاشتراكي الديموقراطي في السويد، ارتفعت أسهمهم بقوة بعد النجاح في مواجهة كورونا.

وعليه، هل سنشهد فعلاً سقوط الترامبية وزوالها بعد كورونا؟

واقعياً، وعلى الرغم من أن الديموقراطيين في أميركا واليسار الليبرالي في العالم، سيركّزون في معركتهم مع اليمين على فشل السياسات اليمينية في التعامل مع الوباء، وعلى الركود الاقتصادي الذي سيصحبه، لكن سقوط الترامبية، أو التيار اليميني صاحب النزعة القومية، يبدو مرتبطاً إلى حد بعيد بقدرة ترامب على الصمود والنجاح في الانتخابات القادمة.

إذا استطاع ترامب الفوز في الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل 2020، فستكون الأزمات الاقتصادية الناتجة من كورونا قد أثبتت أنها غير قادرة على كسر السياسات القومية الشعبوية. أما إذا فشل، فسيؤدي سقوطه إلى إضعاف اليمين في الغرب، وبالتالي إعطاء فرصة لليبراليين اليسار لاستفراد كل زعيم على حدة، وسيكون من المتوقع سقوط بولسونارو في الانتخابات البرازيلية القادمة في العام 2022.