4 عجاف تنتظر البحرين..هل هناك انتفاضة جديدة؟
هناك شبه اتفاق على أنَّ هذا البرلمان البحريني في دورته الحالية أسوأ نسخة من الدورات السابقة، لأنه مُركّب بطريقة لا تدع للمشرّع أي دور حقيقي.
بعدما حطت الانتخابات النيابية البحرينية أوزارها، وانتُخب 40 نائباً برلمانياً، معظمهم لا علاقة لهم بالسياسة، وبعدما صدّق ملك البحرين حمد بن عيسى على 24 وزيراً، معظمهم من المحيط المحبب للديوان الملكي، لا يتوقع أن تُجرى تغييرات في السياسات المتخذة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
هذا الأمر بديهي عند الشارع البحريني، إلا أنَّ المشكلة تكمن في الخشية من أن يسوء الوضع أكثر، لأسباب موضوعية عدة، تكمن في الدوافع التي أدت إلى إدارة العملية الانتخابية للبرلمان أولاً، وفي تشكيلة الوزارة ثانياً، أي أنّ المفرزات ستكون كارثية على البلد بسبق إصرار وتخطيط.
البرلمان المُهندّس بعناية
أثناء الانتخابات التي جرت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أطلق عدد من المرشحين، بينهم من هو محسوب على الموالاة، شكاوى تتمحور حول توجيه العسكريين نحو مرشحين بعينهم، كما شوهدت صناديق للاقتراع تدخل مراكز الانتخاب في الساعات الأخيرة من الاقتراع، فضلاً عن أن أكثر من 94 ألف مواطن لا يمكنه الترشح بقانون العزل السياسي. وإذا أراد الترشح، فعليه أن يجدد معلوماته ويدفع رسوماً.
أما النائبات الثماني، فقد دخلن بدفعٍ من المجلس الأعلى للمرأة، وهو مجلس زوجة الملك الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، وهو يطبق أيضاً سياسة الديوان. وقد أعطى هذا المجلس عدداً من الدورات المكثفة للنائبات اللواتي فزن. وقد هنأتهنَّ زوجة الملك بفوزهن، وهذا له دلالة كبيرة، مفادها أنَّه لا يتوقع من النائبات الخروج عن طاعة مجلس المرأة أبداً. يذكر أنّ هذا المجلس دعم قوانين ومشاريع ضد الإرادة الشعبية، كقانون الأسرة واتفاقية سيداو وغيرهما.
إذاً، هناك شبه اتفاق على أنَّ هذا البرلمان في دورته الحالية أسوأ نسخة من الدورات السابقة، لأنه مُركّب بطريقة لا تدع للمشرّع أي دور حقيقي، فإذا كان كذلك على المستوى السياسة الداخلية، فهو أسوأ على مستوى السياسة الخارجية التي يفتقد الحكم نفسه إدارة دفتها.
الجمود السياسي يجثم على البحرين
وبعدما انتخب أعضاء المجلس النيابي، ألّف الملك حكومة البلاد بتغيير وجوه واستقدام أخرى، لكن لم يخرج مجلس الوزراء عن نطاق الولاء المطلق للديوان الملكي، الذي لا يملك برنامجاً واضحاً لإنقاذ البلاد من الديون والعجز وتفشي البطالة وزيادة الضرائب ومشكلة التضخم وغيرها من المشاكل المعيشية والاقتصادية.
ومع توسيع دول الخليج على أبنائها في الرواتب والمعونات، تتوسع الطبقة الفقيرة في البحرين، حتى صارت تطال بيئة الموالاة. وقد فاضت وسائل التواصل الاجتماعي بتندّر هذه البيئة التي توالي تاريخياً العائلة الحاكمة بشكل كبير، ولا تعارضها أبداً.
فضلاً عن كل ذلك، فإنَّ المشكلة السياسية لم تُعالج منذ اندلاع الحراك الشعبي في شباط/فبراير 2011. وقد دخلت البحرين بعد سنوات قليلة من الحراك في الجمود السياسي، وتحديداً في تموز/يوليو 2016، إذ أصدرت المحكمة الابتدائية قراراً بحلّ جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وهي أكبر جمعية معارضة، ما زاد قتامة الأفق حتى لأكثر المتفائلين في النظام.
لكن لعلّ ما هو جديد في المطروح هو غلبة منطق الولاء على الكفاءة أكثر من ذي قبل، وهذا تماماً ما دعا إليه وزير التربية والتعليم الحالي في مقال سابق له، حين كان يتمظهر بلبوس الإعلامي. وقد استشهد محمد مبارك في مقال نشر له في أخبار الخليج بعنوان "الولاء قبل الخبرة في المناصب الحكومية" بالظاهرة الترامبية السيئة الصيت، داعياً إلى تطبيقها في البحرين.
ولعلَّ هذا النوع من الكيمياء النفسي والفكري هو الذي نقله من كاتب في صحيفة إلى وزير، فكلما كان يعبر عن طائفيته ضد الطائفة الشيعية في البلاد، ارتقى في المناصب وقُرّب إلى أصحاب القرار. ولعل هذا هو "ترمومتر" المرحلة الجديدة في الجزيرة التي تعاني كثيراً منذ عقد.
الرمز حسن مشيمع وحيثية الثورة
لعلَّ ما سبق يمكن أن يكون عتبة مناسبة لفهم وضع البلد وهو يتعامد مع تفاقم المشكلة الصحية والإنسانية في السجون، وخصوصاً لشخصيات مهمة في جسم المعارضة، كالرمز حسن مشيمع (في منتصف السبعينات)، ومع "كومة" من الأمراض الكبيرة والصغيرة، وإهمال متعمد من إدارة السجن لحالته، ما يزيد خطورة فقدانه الحياة.
تشبّث السلطة بكلّ أنواع التضييق لم يأتِ من خلال سياسة مستقلة وداخلية، ففهم آل خليفة لفسفيساء الشعب تحيلهم إلى توخي الحذر في مثل هذه المسائل، ولكن مع السَنَد الأميركي هذه المرة المُطعّم برفقة الصهاينة للنظام أمنياً وسياسياً، ومع تراكم سرطان التجنيس، صار التعامل مع الشخصيات الوازنة تعاملاً لا يخلو من المغامرة، حتى على المستوى الإنساني.
لا أريد معالجة ما تقوم به السلطة حالياً وتشخيصه، لأن ذلك واضح جداً، ولكننا نحتاج إلى معالجة هذا السؤال: هل هناك سيناريوهات ممكنة لتحمّل تبعاتٍ بحجم احتمال فقدان أحد الرموز حياته داخل السجن، خصوصاً مع وضع البلد وتركيبته السياسية، كما أوضحت في بداية المقال؟
مشكلة السلطة أنَّها مصابة بداء سوء التقدير منذ زمن. على الأقل، هذه الحالة استفحلت بشكل واضح وجلي في العقد الأخير. صحيح أن سياستها تُحكم السيطرة على الوضع الأمني والسياسي في البلاد، إلا أنَّ ذلك غير كاف، فتخلخل الوضع الاقتصادي لن يساعد في إيجاد ظهير مناسب للسلطة فيما لو انطلق حراك شعبي جديد، وخصوصاً إذا انطلق ذلك الحراك من منطلق تحميل السلطة مسؤولية حياة أحد الرموز.
هذا الأمر يحتاج إلى فحص وتدقيق من قبل حلفاء النظام الغارقين في مشاكلهم الكبيرة مع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية. ومع أنَّ تلك الملفات أهم وأكبر بالنسبة إلى حلفاء الحكم في البحرين، وهو أمر متفهم بطبيعة الحال، إلا أن تلك الأطراف نفسها التي تملك ملفات كبيرة مع القوى الغربية قد تخترق الحيز الحيوي للغرب في الخليج بسبب اختلال هنا أو هناك، لا سيما في حال تفاقمه.