100 يوم على حرب غزة... "إسرائيل" في قلب الهزيمة؟

السيناريو الإسرائيلي يتكرر منذ 100 يوم من الفشل والانكسار والهزيمة الإسرائيلية في تحقيق صورة نصر في قطاع غزة، وما زالت حرب الإبادة الجماعية مستمرة.

  • السيناريو الإسرائيلي يتكرر منذ 100 يوم من الفشل والانكسار والهزيمة الإسرائيلية.
    السيناريو الإسرائيلي يتكرر منذ 100 يوم من الفشل والانكسار والهزيمة الإسرائيلية.

100 يوم مرت منذ بدء الطوفان في السابع من أكتوبر الماضي، وما زالت "إسرائيل" تواصل حرباً هي الأطول والأغلى ثمناً في تاريخها منذ حرب أكتوبر عام 1973؛ والأكثر بشاعة ودموية على الشعب الفلسطيني بعدما دمر "جيش" الاحتلال كل مقومات الحياة في قطاع غزة، والأغلى ثمناً على "إسرائيل" وكيانها الذي تورط في وحل غزة.

فشلت "إسرائيل" بعد مئة يوم من حرب جوية برية وحشية غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عن تحقيق أي من أهدافها التي وضعتها، فلا إنجازات استراتيجية تذكر، سواء على صعيد القضاء على حركة حماس أو حكمها في غزة، أو القضاء على القدرات العسكرية لدي فصائل المقاومة الفلسطينية كافة، أو حتى تحرير أسراها الموجودين لدى حركة حماس وهم أحياء.

وباتت تقف غارقة أمام واقع معقد وقرارات قاسية لا تجرؤ على حسمها، فيما بدا التصدع والخلافات السمة الأبرز في المشهد ما بين مجلس الحرب وأطراف الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو. أما بلينكن، فقد فشل في مهمته الثالثة والأخيرة للمنطقة قبل أيام، والتي شملت عدداً من العواصم العربية، وهو يبيع الوهم من جديد بحثاً عن صورة نصر يسجلها لحليفته "إسرائيل" ويخلصها من مستنقع غزة.

"إسرائيل" تعيش في قلب الهزيمة، لكنها تكابر وتهرب من الحقيقة. صورتها الدولية باتت سوداء قاتمة، وروايتها وسرديتها لم تعد مصدقة بعدما رفعت ضدها دعوى في محكمة العدل الدولية بسبب ارتكابها جرائم إبادة جماعية، فالحرب التي تخوضها بعد مئة يوم هي حرب خاسرة بكل المعايير والمقاييس والإخفاقات والخسائر التي تكبدها جيشها الغارق في وحل غزة، فقد سجل على مدار مئة يوم متتالية من الحرب أن ما نسبته 15% من "جيش" الاحتلال وقع بفعل المقاومة الفلسطينية التي أذلته بين قتيل أو جريح أو معوق، وهذا ما كشف عنه موقع "والاه" الإسرائيلي بعد مئة يوم من الحرب. وقد تطرق إلى ‏الصدمة الكبرى التي يعيشها قادة الاحتلال الإسرائيلي من جرّاء إصابة 4 آلاف جندي بإعاقات دائمة منذ بداية الحرب البرية على قطاع غزة.

وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ الخامس من كانون الثاني/يناير أن عدد الجنود المعوقين وصل إلى 12500 جندي، فيما كشفت تقارير إسرائيلية أخرى أن عدد الجنود المعوقين قد يصل إلى 20 ألفاً، وصدرت إحصائيات رسمية حديثة تفيد بتوثيق 52571 مصاباً، من بينهم 3619 أصيبوا في اليوم الأول من طوفان الأقصى، إذ تشير الصحيفة إلى أن "جيش" الاحتلال الإسرائيلي لم يكن يقدم جميع بيانات الجرحى الدقيقة للجمهور، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى انخفاض المعنويات.

وقد دمر ما نسبته 30% من الدبابات وناقلات الجند بشكل كلي أو جزئي. أما على صعيد الهجرة المعاكسة بفعل استمرار الحرب، فقد هاجر نصف مليون مستوطن إسرائيلي وأكثر، فيما نزح أكثر من 300 ألف مستوطن من مستوطنات محاذية لقطاع غزة بعد السابع من أكتوبر ورفضوا العودة إليها. أما من تبقى، فهو يلهث وراء تأمين ترخيص سلاح بعدما فقد أمنه الشخصي. هذا الواقع يعني أن الحقائق التي يخفيها قادة الاحتلال سوف تمثل صدمة تاريخية لـ"إسرائيل". 

الفاتورة في الخسائر ليست عسكرية فحسب، فهناك قطاعات أخرى طالتها فاتورة الخسائر الكبيرة التي كشف عنها، إذ تشير تقارير حديثة إلى أن تكلفة الحرب على غزة حتى اليوم المئة بلغت قيمتها 217 مليار شيكل (والدولار الأميركي الواحد يساوي 3.66 شيكل)، ناهيك بفاتورة الأضرار التي تكبدتها "إسرائيل" في المباني، سواء على جبهة قطاع غزة أو الجبهة الشمالية مع لبنان، والتي بلغت قيمتها 20 مليار شيكل، إضافة إلى التأثيرات التي طالت قطاع الاقتصاد والعجز الضخم في الموازنة العامة بقيمة 111 مليار شيكل، والآثار الأخرى في قطاع التعليم والحياة الاجتماعية والأمن الشخصي للمستوطنين كافة.

رغم كل مشاهد القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بحق المدنيين الفلسطينيين، فإن المقاومة الفلسطينية الثابتة التي أدارت المعركة منذ بدايتها، وعلى مدار مئة يوم، بحكمة واقتدار، سجلت نتيجة مهمة في سياق محطات الحروب ونتائجها، وحطمت أسطورة "الجيش" الذي لا يقهر، ومرغت أنفه في التراب، وباتت "إسرائيل" تعيش في حال قلق حقيقي جعلها تتخذ قرارات مؤخراً بسحب عدد كبير من قواتها المتوغلة في قطاع غزة، والسبب يعود إلى ما كشفه موقع "إسرائيل اليوم" في اليوم الـ94 للحرب على غزة، عبر تصريح للرئيس الأميركي جو بايدن قال فيه: "نعمل سراً مع الحكومة الإسرائيلية على انسحاب كبير للقوات من قطاع غزة".

ويضيف الموقع ذاته في التصريح نفسه: "يبدو أن الضغوط الأميركية على إسرائيل لوقف القتال تتزايد، خلافاً لكل تصريحات نتنياهو وغالانت اللذين يمارسان التضليل عبر تصريحاتهم الإعلامية بأن الحرب ممتدة ومستمرة"، فيما يكشف مسؤول آخر في إدارة بايدن لشبكة "cnn": "في مرحلة ما، يتعين على نتنياهو الاختيار بين الحكم بطريقة ترضي بن غفير وسموتريتش والحكم بطريقة ترضي إدارة الرئيس بايدن".

هذه التصريحات تفسر أن الإدارة الأميركية أصيبت بخيبة أمل، وأدركت جيداً أن "إسرائيل" في مأزق حقيقي، ومن الصعب أن تحقق أهدافها، وباتت خياراتها تضيق مع مرور الوقت، وأنها هزمت في هذه الحرب، وأن نتنياهو لن يربح المعركة الميدانية في وقت بات يدفع فاتورة خسائر صادمة تزداد في كل ساعة تمر من زمن الحرب في ظل عجز عن تحقيق أي من الأهداف، وأمام مخاوف أميركية أخرى متصاعدة بعد أحداث البحر الأحمر الأخيرة من احتمال توسع دائرة المواجهة في نطاقات جغرافية لا ترغب بها حالياً.

السيناريو الإسرائيلي يتكرر منذ 100 يوم من الفشل والانكسار والهزيمة الإسرائيلية في تحقيق صورة نصر في قطاع غزة، وما زالت حرب الإبادة الجماعية مستمرة. والواضح هنا أن الاحتلال أثبت بكل ما تعنيه الكلمة أن حرب الإبادة والقتل والتواطؤ الدولي وما رافقهما من تضليل وكذب ودعم وشراكة أميركية غربية باستمرار الحرب ورفض وقفها مع تواطؤ عربي مزمن هو سيد الموقف لحربه المستمرة بلا أفق. وقد قابله ‏100 يوم فلسطيني من البطولة والصمود الأسطوري والشجاعة والتحدي لشعب يتوق إلى الحرية والانعتاق من الاحتلال.

 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.