"طوفان الأقصى".. الاطمئنان سيد الموقف

تخوض حركة حماس بجناحها العسكري، ومعها حركة الجهاد الإسلامي، العبء الأكبر من المواجهة، وهي التي يعول عليها في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ المقاومة، فهي توجّه النظام الدولي بأكمله في غزة.

  • يدرك الكثير من القادة الإسرائيليين أن الأهداف التي وضعها نتنياهو غير قابلة للتحقيق.
    يدرك الكثير من القادة الإسرائيليين أن الأهداف التي وضعها نتنياهو غير قابلة للتحقيق.

رغم عودة الكيان إلى الحرب وإلى ارتكاب الجرائم اللاأخلاقية واللاقانونية بحق المدنيين الفلسطينيين بعد الامتناع عن تمديد الهدنة، وبقرار أميركي بالعودة، بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن، فإن من الملاحظ لدينا كمتابعين لهذه الملحمة بأننا أمام نموذج مختلف من التعاطي بغياب حالة القلق على المقاومة، فما سرّ هذا الاطمئنان؟

الأمر لا يتعلق بالأوهام أو بالحالة الرغبوية التي كانت ترافق الشعب العربي بشكل خاص، بفعل تفاعله مع التجارب السابقة لحركات المقاومة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وربما بتجارب سابقة قبل النكبة 1948، فبنية النظام العربي بشكل عام ليست سوى امتداد للمشروع الغربي للهيمنة على هذه المنطقة بعد تحطيم الإمبراطورية العثمانية على يد عرب قادتهم بريطانيا، كي يكونوا الوجه الآخر لإقامة كيان غير قابل للحياة إلا بوجود بيئة إقليمية حاضنة له تمنحه فرصة النمو والتشكل.

 بدأت تجربة جديدة للمقاومة مع ظهور المقاومة الإسلامية في لبنان، مستفيدةً من تجربة المقاومات السابقة بنقاط ضعفها وقوتها، وهي تستند إلى جذور روحية ثقافية كأساس لتكوين الشخصية المقاومة التي يمكن البناء عليها لإنشاء مشروع مقاوم ينظر بموضوعية وعقلانية إلى عمله، وفقاً لعمق سياسي، بقيادة المواجهة مع المشروع الصهيوني، باعتباره جزءاً صميمياً من المشروع الغربي، بما يعني ذلك من حقيقة المواجهة أنها مع النظام الغربي المهيمن بأكمله، وليس مع الكيان فقط.

نجاح العمل يتطلّب تحقيق مجموعة من الشروط الأساسية، أولها البنية التنظيمية غير القابلة للاختراق الأمني، وخصوصاً ضمن المستويات الثلاثة الأولى التي تمنع عمليات الانشطار التنظيمي، كما حصل من قبل لدى فصائل المقاومة الفلسطينية التي تصدرت العمل المقاوم منذ عام 1965 حتى عام 1982، بالرغم مما قامت به من عمل مقاوم كبير في تلك الفترة وما قدمته من شهداء.

الأمر الثاني مرتبط بإيجاد بيئة اجتماعية حاضنة للعمل المقاوم تحمل ثقافته وعمقه السياسي القائمة على الثقة الكاملة بقياداته، سلوكاً والتزاماً وروحياً، ووجودهم بأنفسهم وأبنائهم وإخوتهم في الأماكن التي تتطلب وجودهم.

نجحت 3 تجارب للمقاومة بهذا المنحى، واستطاعت أن تبني مشروعاً تراكمياً على مدى العقود الأربعة الماضية، وهي تنتمي بجذورها الثقافية إلى 3 مدارس إسلامية متنوعة، إن كان في لبنان أم فلسطين أم في اليمن، وتخوض مع بعضها البعض المواجهة مع النظام العالمي المهيمن في منطقة غرب آسيا. 

وقد انضمت إليها المقاومة في العراق التي أصبحت الركن الرابع لها، ليبقى مركز الثقل الأساسي في فلسطين، باعتباره المشعر الحقيقي لتوجهات النظام الدولي الغربي ومساراته، ومؤشراً على مدى نجاح التحولات نحو نظام دولي جديد مختلف عن سابقه من حيث القواعد الحاكمة له.

تخوض حركة حماس بجناحها العسكري، ومعها حركة الجهاد الإسلامي، العبء الأكبر من المواجهة، وهي التي يعول عليها في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ المقاومة، فهي توجّه النظام الدولي بأكمله في غزة، والكيان بجيشه ليس سوى واجهة هذا النظام وجيشه المقاتل.

يتوافق مع الحركة كقوة داعمة لها ضمن الخطوط التي رسمتها مع بعضها البعض، بما يحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب لإحياء القضية الفلسطينية، كل من حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، والمقاومة الإسلامية في العراق، بما يشكل ضغطاً كبيراً على الأميركيين والإسرائيليين ويساهم في نجاح المقاومة الفلسطينية وانتصارها. 

تأتي صعوبة المواجهة وخطورتها بأنها تحمل بعداً وجودياً للكيان، وللنظام العالمي أيضاً، وأنَّ الهزيمة الساحقة له ستعجل مسار الانكفاء المستمر له، بما يغير خرائط النفوذ والسيطرة، وخصوصاً أنها تترافق مع بدء الاعتراف بالهزيمة في الحرب الأوكرانية والميل نحو إيجاد بيئة تفاوض حول المرحلة القادمة.

يعتقد الإسرائيليون بأنّ قادة الحركة والأسرى في القسم الجنوبي من غزة، وبأنهم يستطيعون أن يُنجزوا نجاحاً عسكرياً برياً، وهم منقسمون على أنفسهم بعدما وصلت الأمور بين رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليڤي إلى حد تفتيش رئيس الأركان عند دخوله رئاسة الوزراء، بما يؤكد البناء الهش وغياب الثقة بين أطرافه.

يدرك الكثير من القادة الإسرائيليين أن الأهداف العالية التي وضعها نتنياهو في قرار الحرب غير قابلة للتحقيق، إدراكاً بمعرفتهم طبيعة من يواجهون، إن كان في فلسطين أم في لبنان أم في اليمن أم في العراق وسوريا، وهذا ما عبَّر عنه الجنرال الاحتياط والمحاضر في جامعة "تل أبيب" الخبير في الشؤون الفلسطينية ميخائيل ميليشتاين، عبر الإذاعة العبرية الرسمية، والذي قال إن "حماس أقوى مما يتم تصويره في إسرائيل، فقد أثبتت أنها واثقة من نفسها، وأنها جاهزة وبعيدة عن نقطة الانكسار، بعكس الثرثرة الإسرائيلية".

ويضيف موضحاً: "رغم الحاجة إلى الحفاظ على المعنويات، علينا القول بصراحة إنه ينبغي الفهم أنَّ عودة حماس إلى القتال تنبع من عقيدة الجهاد رغم الأوجاع، والتوقعات بخروج السنوار رافعاً يديه مستسلماً هو تفكير منفصم عن الواقع وجاهل به".

على الرغم من الضغوط الهائلة في غزة على المدنيين وحجم الجرائم المرتكبة، فإن الطمأنينة والسكينة تسيطران على عقول وقلوب قادة المقاومة وبيئتهم الاجتماعية الحاضنة، وهم يعرفون ومؤمنون بما جهّزوا لهذه الحرب، ويخوضونها بخطوطهم الحمر الواقعية التي وضعوها كأهداف لعملهم، وهم يدركون أن مسار التحرير الكامل طويل، وما سينجزونه في هذه المرحلة سيكون الأهم في مسار شراكتهم بالعمل المقاوم، بما يُمكنهم من وضع خرائط جديدة للمنطقة مع استنفاد الوقت المخصص للإسرائيليين كي يحسموا حربهم التي يخسرون فيها المزيد مع كل يوم يزداد غوصهم في مستنقع غزة. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.