هل ينتفض الشّارع التونسي في وجه قيس سعيد؟
الدعوة إلى العصيان المدني قد تلقى تجاوباً، إلا أنَّها لن تطغى على المشهد السياسي في تونس، والدّعوات إلى التظاهر لا يمكن أن تؤدي إلى إطاحة الرئيس قيس سعيّد.
مع حلول الرابع عشر من كانون الثاني/يناير، ذكرى هروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من تونس، إثر الاحتجاجات العارمة التي عمّت الجمهورية التونسية مطالبةً برحيله، يقف الشعب التونسي منقسماً هذه المرة بين طائفة تدعم رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وأخرى تعارض إجراءاته وقراراته وتراها مخالفة للدستور، فهل يعني ذلك أنَّ تونس لم تنجح بترسيخ الديمقراطية أو أنَّها فعلاً تعيش رواسب عميقة لم تستطع التخلّص منها إلى الآن؟
في هذا اليوم، يترقب الشعب التونسي ما سيحدث، بعد أن توعّدت المعارضة رئيس الجمهورية بانتفاضة شبيهة بانتفاضة 14 كانون الثاني/يناير 2011، ونادى السياسي والرئيس السابق المنصف المرزوقي الشعب التونسي من فرنسا إلى العصيان المدني لتغيير النظام في تونس، بعد أن ارتأت حركة "مواطنون ضد الانقلاب" أن تحارب النظام بالأمعاء الخاوية، وبعد أن استشاطت حركة "النهضة" غضباً إثر احتجاز نائب رئيسها نور الدين البحيري وفرض الإقامة الجبرية عليه وعلى فتحي البلدي، وبعد إحالة الشيخ راشد الغنوشي إلى النيابة العامة للتحقيق في شبهة جرائم انتخابية ارتكبها سياسيون آخرون إلى جانبه بحسب محكمة المحاسبات.
كلّ هذه الأحداث وقعت في وقت قصير جداً، أي بعد 25 تموز/يوليو الماضي، إثر اتخاذ الرئيس قيس سعيد قرارات استثنائية رآها الشعب التونسي خلاصاً مما يجري من انسداد سياسي واحتقان شعبي وتدهور اقتصادي وتردٍّ اجتماعي، ولكنَّ هذه المحاولات لم تثنِ الرئيس عن مواصلة العمل بكلِّ جرأة وتحدٍّ، ولم تجعله يتراجع عن قراراته وإعادة المشهد السياسي إلى ما كان عليه قبل ذلك التاريخ، لأنه ببساطة شديدة عاهد الشعب التونسي بأن يسير إلى الأمام، ولا يلتفت إلى الوراء، ويحاسب كل فاسد، ويُرجع كلّ ملّيم صُرف في غير موضعه إلى الشعب التونسي؛ صاحب الحق.
ومما يدعو إلى الدهشة فعلاً، أنَّ الرئيس يمضي في مشروعه الاستنطاقي - إن صح التعبير - لإشراك جميع فئات الشعب التونسي في الاستفتاء السياسي، مهما كان موقعهم، ومهما كانت حرفتهم ومهنتهم، وهو يسبر الآراء، ويستمع إلى المقترحات والشكاوى ويغربلها، ليعلم ما يريده الشعب منه خلال الفترة المقبلة، وهو الاستفتاء على النظام السياسي الجديد.
وقد جعَلَه إلكترونياً حتى يصل إلى كلِّ أفراد الشعب التونسي، ولا تحتكره الأحزاب السياسية أو المنظمات العمالية أو الجمعيات الأهلية، وهو مشروع رئاسيّ بحت وصرف، قد ينجح بإفراز تشكيلة سياسية جديدة تُخرج البلاد مما هي فيه من حرج اقتصادي واجتماعي متفاقم.
وكما يبدو، إنَّ الدعوة إلى العصيان المدني قد تلقى تجاوباً من البعض، إلا أنَّها لا تطغى على المشهد السياسي في تونس، لأن من دعا إليها لا يحظى بشعبية كبيرة، ولا ينطلق من القاع، بل صدرت عنه وهو في بلاد العجم، وكأنه يستقوي بها مرة أخرى، علماً أنه فعلها من قبل، وكانت سبباً في طلبه إلى المحاكمة.
كما أنَّ الدّعوات الأخرى للتظاهر في يوم رحيل ابن علي قد تلقى قبولاً لدى شريحة كبيرة من التونسيين، لكنّها لا يمكن أن تؤدي إلى إطاحة الرئيس قيس سعيّد، وسيبقى هؤلاء يضغطون في الداخل والخارج على مؤسَّسة الرئاسة للحصول على ما يحفظ وجوههم السياسية التي خدشتها الجرائم الانتخابية والطمع السّياسيّ وعدم خدمة الوطن بإخلاص.
وإذا نجح رئيس الجمهورية قيس سعيد بإرساء نظام سياسي جديد، ومرّر أجنداته الاقتصادية والاجتماعية، وتحقَّق النمو، ولو ببطء، واستطاع محاسبة الفاسدين، وكشف المستور الغائب عن التونسيين، وفضح مؤامرات السياسيين الذين تلاعبوا بالوطن، وأرجع المال المنهوب، وحقَّق للشباب ما يتمنون، فإنَّ شكيمته ستقوى يوماً بعد يوم، ولن تفتّ في عضده هذه التظاهرات والشعارات البراقة والتعليقات الفارغة، لأنها لا تعدو كونها سوى فقاعات صابون سرعان ما تنقشع لتبقى الحقيقة صلبة ومتينة كالجبال الراسيات لا تهزّها الرياح.
ويبدو أيضاً أنَّ هذا النجاح محفوفٌ بمخاطر جمّة، وخصوصاً إذا انضمّ الاتحاد العام التونسي للشغل إلى هذه الفئة الّتي تنادي بإسقاط الرئيس، فيصبح الحِمل ثقيلاً، والعمل عسيراً، والنجاح ضئيلاً، لأنَّ القاعدة الشعبية قد تتقلص ما لم ترَ تحولاً دراماتيكياً في حياتها اليومية، ولم تلحظ تقدماً سريعاً يتحقق على الأرض.