هل يفرض الغاز الفلسطيني نفسه على طاولة "السلطة" والمقاومة؟
الاحتلال الإسرائيلي لا يريد أن يكون للفلسطينيين موارد طبيعية تدرّ عليهم أموالاً بعيداً عن سيطرته.
تنال حقول الغاز في شرق المتوسط جلّ اهتمام حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة الحالية التي تهرول فيها لعقد اتفاقيات وإيجاد سبل لوصول غازها إلى أوروبا بأسرع وقت، فيما تحاذر في الوقت نفسه إغضاب الروس وإشعارهم بأن الغاز الإسرائيلي يقوّض ورقة قوتهم في وجه العقوبات الأميركية الأوروبية بعد أزمة حرب أوكرانيا.
يتخذ التحرك الإسرائيلي في قضية الغاز عدة أبعاد إقليمية ودولية، إذ وقعت "إسرائيل" مع جمهورية مصر مؤخراً اتفاقية لنقل الغاز المستخرج من الحقول في البحر المتوسط قبالة فلسطين المحتلة إلى عدة دول أوروبية. وتنصّ الاتفاقية التي تم توقيعها في القاهرة على نقل الغاز الطبيعي من كيان الاحتلال إلى محطات الإسالة في مصر (إدكو ودمياط في الشمال)، ومن ثم يشحن شمالاً إلى السوق الأوروبية، ويمتد الاتفاق إلى 3 أعوام قابلة للتجديد تلقائياً لمدة عامين.
الاتفاقية الجديدة التي ستعمل على سدّ جزء من احتياج أوروبا عوضاً عن الغاز الروسي تتجاوز الحقوق الفلسطينية التاريخية، وينظر إليها فلسطينياً على أنها تجاوز من دولة عربية للمصالح الفلسطينية، عبر تقديم المصالح الذاتية على حساب القضية الفلسطينية، وانقلاباً في الصورة التي كان يجب أن تكون فيها الدول العربية سداً في وجه سرقة الاحتلال للغاز الفلسطيني.
وبدلاً من هذه الاتفاقية، كان الأولى نقل الغاز الفلسطيني الموجود في الحقلين قبالة قطاع غزة إلى مصر، ومن ثم إلى أوروبا، بما يزيد من العائدات المصرية والفلسطينية، بعيداً عن تدخل الاحتلال.
هذه الاتفاقية تسلط الضوء بشكل واضح على حقيقة سرقة "إسرائيل" للغاز الفلسطيني تاريخياً من ناحية، وما اعتبر حقاً للفلسطينيين بعد اتفاقية أوسلو والمكتشف قبالة سواحل قطاع غزة من ناحية أخرى، إذ تعوق حكومات الاحتلال أي استفادة من الحقلين المكتشفين قبالة غزة في العام 2008، وتشترط الاستفادة منهما بنقل الغاز الفلسطيني عبر محطة عسقلان، وتمنع بيع الفلسطينيين الغاز أو نقله عبر دولة أخرى، مثل جمهورية مصر التي تملك القدرة على استخراجه وتصديره لمصلحة الفلسطينيين.
لا يريد الاحتلال الإسرائيلي أن يكون للفلسطينيين موارد طبيعية تدرّ عليهم أموالاً بعيداً عن سيطرته، ويسعى لإبقاء الاقتصاد الفلسطيني تحت عباءته، ليمثل عامل إسناد لاقتصاده وسوقاً لبضائعه، ويعمل بشكل ممنهج على استمرار سياسته التي تقضي بأن تمرّ الأموال للسلطة الفلسطينية عبره، وهو ما يجعل الفلسطينيين رهينة ضغطه الاقتصادي، وهذا الأمر تكرار لمشكلة أموال المقاصة التي تجبيها "دولة" الاحتلال على بضائع الفلسطينيين بدلاً من السلطة الفلسطينية عبر المعابر والموانئ في الأراضي المحتلة، ومن ثم تنقلها إلى السلطة الفلسطينية كل شهر.
وينظر الاحتلال بعين الخطورة إلى امتلاك الفلسطينيين عائدات الغاز، لأنَّ هذا الأمر سيفقد حكومته أبرز ورقة ضغط تضبط بها سلوك السلطة الفلسطينية وقيادتها خلال السنوات الأخيرة، والمتمثلة بتقطير أموال المقاصة.
حتى هذا اليوم، تسرق "دولة" الاحتلال بشكل يومي كميات كبيرة من الغاز الفلسطيني في منطقة شرق المتوسط، في وقت يتواصل التكتم على حقيقة حجم الغاز المسروق ومقدار عائداته على الاحتلال، وتقدر العوائد التي يجب أن تكون لمصلحة الفلسطينيين من الغاز الموجود قبالة قطاع غزة وحدها على أقل تقدير بـ4.5 مليار دولار سنوياً.
إنَّ اشتعال قضية الغاز عالمياً تمثل فرصة للفلسطينيين لإعادة طرح هذا الملف على الطاولة من جديد، عبر تسليط الضوء على عمليات السرقة الممنهجة للموارد الفلسطينية قبالة قطاع غزة، وأيضاً الموارد في فلسطين التاريخية، ما يحتّم على مختلف الأطراف الفلسطينية التحرك وإيجاد طريقة لمنع هذه السرقة.
وهنا، على الفلسطينيين اتخاذ عدد من الخطوات السياسية والدبلوماسية والقانونية بشكل عاجل، قبل أن يرى مشروع سرقة الغاز الفلسطيني النور، عبر سلسلة من الخطوات المهمة، وخصوصاً من قبل السلطة الفلسطينية التي يجب تدفع بملف الغاز إلى طاولة المباحثات مع الدول الكبرى وفي الأمم المتحدة، إضافةً إلى إجراء اتصالات وإرسال رسائل إلى الدول الأوروبية التي ستستفيد من الغاز الفلسطيني المسروق، تؤكّد فيها أنَّ هذا الغاز محلّ نزاع، وأنّ شراءه يمثل مشاركة في عملية سرقة كبرى.
المطلوب من الفلسطينيين حالياً طرح قضية الغاز على أنَّها محل خلاف مع الاحتلال، وأن الدخول على هذا الخطّ وشراء الغاز منه له أبعاد سياسية وقانونية خطرة، وأنّ الفلسطينيين يجب أن يكونوا جزءاً من أي اتفاقيات، نظراً إلى أنهم أصحاب الحق.
حتى هذا الوقت، لم يصدر أيّ تصريح من فصائل المقاومة تجاه مخططات الغاز واتفاقياته، إلا أنَّ هذا الملف يعد أحد العناوين التي ما زالت الفصائل تناقشها وتدرس سبل التحرك فيها على المستوى الميداني والسياسي، وتعمل على بناء تنسيق عالٍ بخصوصها مع محور المقاومة والجمهورية الروسية. وتجد فصائل المقاومة الفلسطينية نفسها مضطرة إلى التحرك في وجه الاحتلال ومنع نقل الغاز بشتى الوسائل، إذ إنَّ تحركها في هذا الوقت يقلب قضية الغاز من فرصة ينتهزها الاحتلال إلى مشكلة أمنية جديدة في ساحة البحر.
يجب أن يدرك الفلسطينيون أنَّ مشاريع الاحتلال بخصوص الغاز لها أبعاد خطرة على القضية الفلسطينية، إذ تستخدمه "دولة" الاحتلال ورقة ضغط لإسكات الدول الأوروبية تجاه الانتهاكات والجرائم بحق الفلسطينيين، وهو ما يمثل عامل قوة تستعيد فيه "إسرائيل" أوراقاً فقدتها في أوروبا خلال سلسلة جرائمها بحق الفلسطينيين خلال العقدين الأخيرين.
يجب أن تصل الرسائل من السلطة الفلسطينية والفصائل إلى روسيا بأن "إسرائيل" في طريقها لاستغلال ورقة الضغط الروسية على أوروبا في ملفّ الغاز، إذ إنها تسعى خلال السنوات القليلة المقبلة لرفع إنتاجها من الغاز إلى ضعفين، ليبلغ نحو 40 مليار متر مكعب سنوياً، عبر توسعة مشروعات وبدء تشغيل حقول جديدة، علماً أنَّ الاتحاد الأوروبي استورد 155 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا العام الماضي، أي ما يمثل 40% من استهلاكه.
في الجانب القانوني، وقّعت السلطة الفلسطينية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2014 قراراً بالانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بقانون البحار، التي تتضمن اتفاقاً دولياً على أنَّ النزاع في القضايا البحرية يكون عبر المحكمة الدولية لقانون البحر (ITLOS). وهنا، على السلطة رفع قضية عاجلة ضد الاحتلال، تطالب فيها بمنع سرقة حقوقها من الغاز في البحر المتوسط. هذه الخطوة كفيلة بأن تضع الغاز الإسرائيلي محل خلاف ونزاع أمام دول العالم.