هل يعود لبنان إلى منصة التأسيس؟

الأزمة الدستورية التي يعيشها لبنان الآن مفتوحة على احتمالات أحلاها مُر، فقد يتكرّر مشهد تعيين رئيس الجمهورية حكومةً تجمع بين سلطات رئاسة الجمهورية وسلطات مجلس الوزراء، وتملأ الفراغ المزدوج.

  • هل يعود لبنان إلى منصة التأسيس؟
    هل يعود لبنان إلى منصة التأسيس؟

في نهاية هذا الشهر ينتهي أجل ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون، ويدخل لبنان في أزمة دستورية تُفاقم أزماته التي أنهكته وأنهكت مواطنيه، وقد تطرح -من فرط تفاقمها- سؤال بقاء الكيان اللبناني على ما كان عليه منذ تخلّقه الحديث بين عامي 1926، حين أقرّ مجلس الممثلين الدستور، و1946 تاريخ جلاء الجيوش الأجنبية عن أراضيه.

تنتهي ولاية الرئيس عون في آخر يوم من هذا الشهر، وبلاده لم تتمكن من تأليف حكومة على الرغم من اختيار نواب البرلمان في شهر حزيران/يونيو المنصرم نجيب ميقاتي لتأليفها ورئاستها، ويزيد عدم تأليف الحكومة من تعقيد الوضع في هذا البلد الذي حظي في حقب مختلفة من تاريخه بمكانة خاصة في المحيطين الإقليمي والدولي لكونه صنع نموذجاً حضارياً مهماً في مجالات الحرية التي جعلت منه رئة يتنفّس بها الإقليم المتعطش إليها، وفي مجال المقاومة التي حررت الأرض وأسست لعصر الانتصارات اللبنانية والعربية بعد تجارب مرّة من الهزائم والانكسارات والنكسات.

تجدّد أزمة لبنان الراهنة الذاكرة، وتذكّر بالأزمة الدستورية اللبنانية الأولى عام 1958 التي تأسست على تعقيدات المشهد الإقليمي الذي اتصل بالتعقيدات الداخلية التي حالت دون التمديد للرئيس كميل شمعون، كما تستدعي الأزمة الدستورية الجديدة الأزمات الوطنية التي أسهم في تأجيجها تمديد ولاية الرئيس إميل لحود ثلاثة أعوام إضافية كما حدث مع الرئيس الياس الهراوي.

إنّ الأزمة الدستورية التي يعيشها لبنان الآن مفتوحة على احتمالات أحلاها مُرّ، فقد يتكرّر مشهد تعيين رئيس الجمهورية حكومةً تجمع بين سلطات رئاسة الجمهورية وسلطات مجلس الوزراء، وتملأ الفراغ المزدوج في السلطة التنفيذية بمستوييها الرئاسي والوزاري، ما قد يترتب عليه مواقف أكثر تشدداً من أطراف سياسية يمكن أن تُفرط في تقسيم المجتمع اللبناني عبر استخدام وتوظيف النعرات الطائفية والمذهبية، وأن تمضي في تبني خيارات إلغائية بمساعدة خارجية، خصوصاً بعد التلكؤ في تأليف الحكومة والتهرب من التفاهم على رئيس ينتجه تراضٍ وطني.

المطلوب من اللبنانيين إيجاد معالجة مرحلية للحيلولة دون حدوث الفراغ الرئاسي والوزاري، ثم إيجاد معالجة جذرية للأزمة المتكررة، بالعودة إلى منصة تأسيس جديدة للدولة اللبنانية، تعيد تأسيسها على فلسفة المجتمع الحر القائد الذي يقود الدولة ويكسر احتكار النخب والبيوت السياسية القديمة والجديدة للسلطة، ويعيد تعريفها على نحو جديد يرسّخ أحقية المجتمع على القرار الوطني، وأحقيته على السلطة والثروة والقوة، حينذاك يعيد لبنان تقديم نفسه كأنموذج على المستويين الإقليمي والدولي، ويستعيد دوره الحضاري من جديد.